فاجأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس الوزراء الإماراتي، حاكم دبي، الوطن العربي بتتويج خمسة صناع أمل بلقب "صانع الأمل الأول"، مؤكداً أنهم كلهم أوائل وكلهم يستحقون اللقب، وما يقدمونه من أجل خير الإنسانية يجعلهم جميعًا منارات للعطاء يهتدي الناس بها. وقدم مكافأة مالية بقيمة مليون درهم إماراتي لكل منهم، لتبلغ قيمة جائزة "صناع الأمل" خمسة ملايين درهم إماراتي، وتكون جائزة العطاء الأغلى من نوعها في العالم.
وجاء ذلك في الحفلة التي أقيمت في مدينة دبي للاستوديوهات، لتكريم صناع الأمل وتتويج الفائز الأول على مستوى الوطن العربي، من بين أكثر من 65 ألف صانع أمل تقدموا للمشاركة في مبادرة "صناع الأمل"، المبادرة الأكبر من نوعها عربيًا، لتكريم أصحاب العطاء في الوطن العربي.
وقال محمد بن راشد: "لا توجد قوة في الحياة تغير المجتمعات نحو الأفضل أكبر من قوة الأمل، ونريد أن نصنع أملاً جديدًا لملايين الشباب العرب، بأن لهم دورًا حقيقيًا في خدمة مجتمعاتهم، والهدف من صناع الأمل تحويل الفرد العربي من شخص ينتظر الحظ أو الصدفة في حياته إلى شخص إيجابي ومبادر. وتوَّج محمد بن راشد آل مكتوم صناع الأمل الخمسة، وسط حضور أكثر من 2500 شخص، حيث شارك كل من الجمهور ولجنة التحكيم في اختيار الفائز، الذي أُعلن عنه في ختام الحفلة.
واستعرض الجمهور ولجنة التحكيم المشاريع والمبادرات الإنسانية للمرشحين الخمسة من صناع الأمل، الذين بلغوا النهائيات، وهم المغربية نوال الصوفي، المقيمة في إيطاليا، والتي كرست نفسها لإنقاذ اللاجئين الفارين إلى أوروبا عبر قوارب الموت، حيث ساهمت في إنقاذ أكثر من 200 ألف لاجئ، وهشام الذهبي، من العراق، الذي تبنى قضية أطفال الشوارع في العراق فآواهم في بيت خصصه لرعايتهم، مقدمًا إليهم الرعاية النفسية والصحية والتربوية والتعليمية، ومعالي العسعوسي، من الكويت، التي هاجرت إلى اليمن قبل عشر سنوات لتنفذ العديد من المبادرات الإنسانية هناك، وماجدة جبران، أو "ماما ماجي"، من مصر، التي كرست نفسها لخدمة فقراء مصر، و"الخوذ البيضاء"، منظمة الدفاع المدني السوري، الذين يعملون لإنقاذ ضحايا القصف في سورية.
وبعد اختيار نوال الصوفي، وفق تصويت كل من الجمهور في القاعة وأعضاء لجنة التحكيم، أعلن صاحب محمد بن راشد تكريم المرشحين الخمسة، بمنح كل صناع الأمل الخمسة مكافأة بقيمة مليون درهم لكل منهم وتم استقبال صناع الأمل الخمسة، الذين بلغوا التصفيات النهائية، لمواجهة الجمهور ولجنة التحكيم للمرة الأخيرة قبل التصويت على المرشح، الذي يستحق لقب صانع الأمل الأول في الوطن العربي.
وحاور الإعلامي أحمد الشقيري المرشحين الخمسة، ضمن لجنة التحكيم التي ضمت، إلى جانب الشقيري، نورة الكعبي، وزيرة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، ورئيسة مجلس إدارة أبوظبي للإعلام، وعلي جابر، مدير عام مجموعة "أم بي سي"، وعميد كلية محمد بن راشد للإعلام.
وفي ما يأتي نظرة على صناع الأمل الخمسة الذين بلغوا التصفيات النهائية:
- نوال الصوفي
تقيم نوال الصوفي في إيطاليا، التي هاجرت إليها مع أسرتها من المغرب قبل سنوات، ورغم انخراطها في العمل الإنساني والمجتمعي منذ طفولتها، متشرِّبةً العطاء من والدها الذي كانت ترافقه لتقديم المساعدة للمهاجرين الجدد إلى أوروبا، ومساعدتهم على التأقلم، إلا أن ما تقوم به اليوم بات عصب حياتها وحياة الآلاف ممن يعتمدون عليها، بعدما أصبحت حبل نجاة لآلاف اللاجئين الذين يركبون قوارب الموت لا يحملون معهم سوى الأمل ورقم هاتف نوال، فقد بات رقمها صلة الوصل شبه الوحيدة بين اللاجئين الذين يتقاذفهم موج البحر وبين خفر السواحل الإيطالي، فتتواصل مع المستغيثين وتحاول أن تحدد مواقعهم قبل أن ترسل المعلومات اللازمة لخفر السواحل للتحرك في اتجاه قوارب اللاجئين. وساهمت نوال في إنقاذ أكثر من 200 ألف لاجئ، كما ساعدت الآلاف على التكيف مع واقع حياتهم الجديد من خلال تقديم كل أشكال المساندة لهم. وبالنسبة لنوال، فإن البحر بما يلقيه من بشر يائسين يوميًا بات عنوانها، وهاتفها هو حبل الإنقاذ الذي تمده لهم. ويوم تنجح نوال في إرشاد خفر السواحل الإيطالي إلى مكان سفينة تغص باللاجئين الذين تُركوا للمجهول، فتنقذهم في الوقت المناسب، تشعر بفرح غامر، ويوم يقذف الموج المقتنيات المتواضعة لأولئك، ممن لم يرأف بهم البحر فابتلعهم وابتلع آمالهم، فإن قلبها يغص بالحسرات، لكن نوال تعرف أن الأمل لا يموت، فلا تزال تقف عند الشاطئ في انتظار حياة تبحث عن أمل.
- هشام الذهبي
وتشكل تجربة هشام الذهبي من العراق نموذجًا لاحتضان الأمل وتنشئته في سنوات التكوين الأولى، أي في فترة الطفولة، فصناعة الأمل في الصغر وتعهده بالرعاية يثمر عطاء وإبداعًا في الكبر، هذه هي الفلسفة التي تبناها هشام، يوم قرر أن يفتح بيته وقلبه لأطفال الشوارع في العراق، ليثبت للعالم أن هؤلاء الأطفال ضحايا وليسوا جناة، وكان ذلك في العام 2004، حيث بادر هشام إلى إيواء الأطفال المشردين داخل بيت خصصه لرعايتهم، ولم يكتف بتقديم الرعاية النفسية والصحية والتربوية والتعليمية للأطفال، الذين أغدق عليهم حنان الأب، بل عمل على تطوير برنامج علاج نفسي لهم، من خلال تنمية مواهبهم وتحفيز قدراتهم الإبداعية.
وكبر الحلم واتسع الأمل، فأسس الذهبي، بدعم من بعض المتبرعين، "البيت العراقي للإبداع" لهؤلاء الأطفال، حيث تخرج فيه 150 طفلاً مبدعًا وفنانًا، وحاز خريجوه على أكثر من 50 جائزة عراقية و28 جائزة عالمية. واليوم يؤوي هشام في بيته 33 طفلاً، يطعمهم ويعلِّمهم ويروي لهم حكايات ما قبل النوم، كأب شغوف بصغاره. وبالنسبة له هؤلاء الأطفال هم 33 حلمًا جميلاً، ينتظرهم مستقبل واعد وآمال محققة، وبفضل صانع أمل صاحب قلبي ذهبي، كهشام الذهبي، ثمة أطفال في العراق ينامون وهم مطمئنون إلى أن غداً هو يوم آخر جميل.
- معالي العسعوسي
لم تكن معالي العسعوسي، من الكويت، تتخيل أن حياتها ستُقلب رأسًا على عقب، وأنها ستترك حياة الأمان والرفاهية وتهاجر إلى مكان يستشري فيه البؤس والفقر والأمية والمرض. وحدث ذلك في العام 2007، حين سافرت إلى اليمن في مهمة عمل لدراسة تنفيذ مشروع جديد هناك، وكانت تلك أول مرة تزور فيها معالي اليمن، فصدمت من ما شاهدته من بؤس وتردٍ في الأوضاع المعيشية، عندها أدركت أنها وجدت رسالتها في الحياة، فودعت حياتها السابقة بلا عودة، ودخلت معترك العمل الإنساني من أوسع أبوابه، بعدما اتخذت اليمن مستقرًا لها، لتصبح البلاد بلادها وأهل البلاد أهلها. وكانت تعرف أن تحديات كثيرة كانت تنتظرها، لكنها كانت واثقة في أنها أهلٌ للتحدي، وأهلٌ لصنع الأمل.
وفي البداية أسست معالي مبادرة "تمكين"، التي سعت من خلالها إلى تحسين نوعية الحياة والارتقاء بالمستوى المعيشي للأسر الفقيرة هناك، مع التركيز على المرأة والطفل بالدرجة الأولى، كما دعمت تأسيس العديد من المشاريع التنموية غير الهادفة للربح. ثم انضمت إلى جمعية "العون المباشر" الكويتية لتدير عمليات الجمعية الإغاثية والتنموية في اليمن. وعاشت معالي البؤس والفقر، ولمست حجم معاناة الناس عن قرب، لتمد يدّ العون الحانية لكل طالب حاجة، ولتترك بصمة خير في كل مكان تطأه.
وتشمل تجربة معالي سجلاً غنيًا من العطاء الممدود، من خلال العديد من المبادرات والمشاريع التي ساهمت، ولا تزال، في تحقيق نقلة نوعية في حياة قطاع عريض من المجتمع اليمني، فنفذت 15 مشروعًا مائيًا، استفاد منها أكثر من 45 ألف شخص، كما نظمت 30 حملة إغاثية لأكثر من 250 ألف شخص، ووفرت أكثر من 600 منحة دراسية، وساهمت في تمكين أكثر من ألف أسرة، كما ساهمت في إجراء أكثر من 5000 عملية جراحية لمكافحة العمى. وبعد عشر سنوات من تكريس حياتها بالكامل لشعب اليمن، لا تزال طريق العطاء بالنسبة لمعالي طويلة، لكنها تعرف أنها لن تتوقف، فقد غرست شجرة أمل، وها هي الشجرة تورق وتثمر، ومنها تنبت أشجار أمل أخرى، تأمل معالي أن تغطي مختلف أنحاء اليمن. وقد يتساءل أحدهم لماذا اختارت الكويتية معالي اليمن مكانًا لصنع الأمل، والجواب ببساطة، كما تقول معالي: "أنا لم أختر اليمن، اليمن هو الذي اختارني".
- ماما ماجي
"قيمة الإنسان لا تضاهيها أي قيمة أخرى"، هذا هو المبدأ الذي تؤمن به ماجدة جبران، من مصر، أو "ماما ماجي" كما يلقبها الناس، وهو مبدأ ترجمته إلى فعل يومي، حين نذرت نفسها، قبل نحو ثلاثة عقود، لخدمة فقراء بلدها. وبدأت الحكاية بزيارة، يفترض أنها عابرة، قامت بها "ماما ماجي" إلى حي الزبالين في العاصمة المصرية، القاهرة، فهالها ما رأت من بؤس يعيشه الناس هناك، يمسّ الأطفال تحديدًا، الذين يفتقدون أبسط مقومات العيش الكريم، وعندها قررت أن تفعل شيئًا لمساعدة هؤلاء المهمَّشين، فتخلت عن حياتها، التي لم تعرف فيها معنى الفقر أو الحاجة، وتركت وظيفتها في الجامعة الأميركية، وتوجهت صوب مآسي أبنائها وأشقائها في الإنسانية. وتكررت زياراتها إلى حي الزبالين، وفي كل مرة كانت تلتقي عددًا كبيرًا من سكان الحي، تستمع لهم ولاحتياجاتهم، وتجلب لهم بعض المؤن الأساسية، وتوزع على الصغار الهدايا، حتى باتت "ماما ماجي" وجهًا مألوفًا ينتظره الكبير قبل الصغير بشوق، واجدين في حنانها وعطفها وابتسامتها الوارفة ملاذًا ونجدةً، والأكثر من هذا وذاك أن ماما ماجي تُعزز لديهم إحساسهم بإنسانيتهم وكرامتهم وأحقيتهم في الحياة كما تليق بأي فرد.
وفي العام 1985، أسست ماجدة جبران مؤسسة "ستيفن تشيلدرن" الخيرية، التي تقوم رسالتها على المساهمة في إنقاذ الحياة وصنع الأمل وحفظ الكرامة البشرية للأطفال والشباب الفقراء، والأقل حظًا، وتوفير التعليم والتدريب لهم، بالإضافة إلى مساعدة أسرهم لتحسين وضعهم المعيشي. وخلال السنوات الماضية، أصبحت الجمعية جزءًا من المشهد الإنساني اللافت في مصر، وسرعان ما امتد نشاطها ليشمل عشرات الأحياء الفقيرة، من خلال العديد من الحملات والمبادرات الإنسانية والمجتمعية والتعليمية والتدريبية، التي استفاد منها الآلاف من الأسر والأطفال. وحتى اليوم، أسست "ماما ماجي" من خلال جمعيتها 92 مركزًا، توفر الرعاية والتعليم لأكثر من 18 ألف طفل، كما تسهم جمعيتها في توفير العلاج لأكثر من 40 ألف حالة مرضية سنويًا، إلى جانب القيام بزيارات تفقدية لأكثر من 13 ألف طفل يقوم فيها المتطوعون في الجمعية بتقديم الإرشاد النفسي والتدريب لهم.
وأسست الجمعية ثلاثة مراكز للتدريب المهني للأطفال والفتيان، كما توفر دورات تدريبية للأمهات لمساعدتهن في تحسين وضع أسرهن. وفي المجمل، يستفيد من خدمات جمعية "ستيفن تشيلدرن" نحو 33 ألف طفل، ضمن نشاط الجمعية المتزايد، الذي يسهم فيه نحو ألفي متطوع يعملون فيها. ولا تنتظر ماما ماجي، التي ترشحت لجائزة "نوبل" مرات عدة، أن تُكافأ على عملها، ويكفيها أن يشار لها بوصفها صانعة أمل حقيقية، أحدثت فرقًا في حياة من هم أحوج للأمل.
- الخوذ البيضاء
وسط اليأس المحدق، وتحت القنابل التي تهطل بغزارة، فتقتلع الحجر والبشر، وتشيع الموت والخراب، يلوح أملٌ بحياة ممكنة، أمل متدثِّر ببعض البياض، يسارع لانتشال بقايا روح أو أنفاس لاهثة من تحت الأنقاض، هؤلاء هم رجال الدفاع المدني السوري، أو "الخوذ البيضاء" كما يعرفهم العالم، الذين يقتنصون الحياة اقتناصًا من بين ركام الأنقاض ونزيف الدماء في سورية الجريحة
وتأسس الدفاع المدني السوري في 2013، كمنظمة تطوعية حيادية غير منحازة لأي جهة سياسية، حيث تركز نشاطه في البداية في منطقة حلب وريفها، قبل أن يمتد ليشمل مختلف مناطق الصراع في سورية. والبداية كانت مع 25 ناشطًا تطوعوا لإنقاذ حياة من وقع تحت أنقاض القصف العنيف، الذي كانت تتعرض له مدينة حلب آنذاك، وسرعان ما أصبح لهم دور أكبر، خاصة مع انضمام عدد متزايد من المتطوعين لهم، متخذين من "الخوذة البيضاء" رمزًا للأمل الذي يتطلع إليه ملايين السوريين.
ويعمل مع "الخوذ البيضاء" حاليًا أكثر من ثلاثة آلاف متطوع، تركوا مهنهم التي عرفوها قبل الحرب، كمعلمين ومهندسين وخبازين وخياطين وكهربائيين وغيرهم، لتصبح مهنتهم المشتركة إنقاذ الحياة بأي ثمن، حتى وإن دفعوا حياتهم ثمنًا في سبيل ذلك، سباقين إلى مواقع القصف، نابشين بأيديهم العارية عن أي حياة أو نبضات واهنة تحت أكوام الحجارة والرمال، حتى إذا نجحوا في انتشال رضيع على قيد الحياة بكوا تأثرًا وابتهاجًا، وشعارهم في ذلك قوله تعالى: "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جميعًا".
وفي كل يوم يودع رجال الدفاع المدني السوري أسرهم، مدركين أنهم قد لا يرونهم ثانية، فالموت يتربص بهم في كل وقت. والقصف الوحشي لا يستثني بالضرورة من يعتمر خوذة بيضاء، فقد فقدوا حتى اليوم 189 متطوعًا، لكن ما يعوض هذه الخسارة المؤلمة أنهم أنقذوا أكثر من 94 ألف شخص، ما يعني أن تضحياتهم لم تذهب سدى، وأن الأمل الذي يصنعونه يوميًا يستحق الثمن الغالي الذي يدفعونه من أرواحهم ودمائهم.
تندرج صناع الأمل ضمن "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية"، التي تضم تحت مظلتها 28 مؤسسة إنسانية وخيرية وتنموية ومجتمعية، حيث تستهدف 130 مليون شخص في العالم، وتنفذ أكثر من 1400 برنامج خيري وإنساني ومجتمعي في 116 دولة، كما تغطي أنشطتها أربعة قطاعات حيوية، هي مكافحة الفقر والمرض، ونشر المعرفة، وتمكين المجتمعات، والابتكار كأداة أساسية لتحسين حياة البشر، وكان الهدف الرئيس الذي وضعته المبادرة وقت إطلاقها اجتذاب نحو 20 ألف قصة أمل، لكن المفاجأة هي تخطي هذا الهدف في وقت قياسي، حيث ترشح للمبادرة أكثر من 65 ألف صانع أمل، من مختلف أنحاء العالم العربي.
أرسل تعليقك