فرنسا تتذكر فنان الطاحونة الحمراء وتصميم الملصقات في معرض تولوز لوتريك
آخر تحديث 18:50:03 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

اندمج في حياة المهرجين والنُدُل والمغنيات الفاشلات والزبائن الهاربين

فرنسا تتذكر فنان الطاحونة الحمراء وتصميم الملصقات في معرض "تولوز لوتريك"

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - فرنسا تتذكر فنان الطاحونة الحمراء وتصميم الملصقات في معرض "تولوز لوتريك"

فرنسا تتذكر فنان الطاحونة الحمراء وتصميم الملصقات في معرض "تولوز لوتريك"
باريس ـ مارينا منصف

بعض المعارض تدخلها بتهيب وكأنك تجتاز عتبة معبد، وهناك من المعارض ما ينشرح له صدرك، حالما تجد نفسك في قاعاته، ومن هذه المناسبات الباعثة على السرور هذا المعرض الذي يستضيفه القصر الكبير في باريس، للفرنسي هنري دو تولوز لوتريك (1864-1901)، الفنان الكبير الذي شاءت له الطبيعة أن يُولد قزماً، ورغم ذلك، اتسعت موهبته لتشمل فنون الرسم والحفر والتخطيط وتصميم الملصقات كافة؛ إنها تلك الملصقات التي ما زالت تطبع وتباع في دكاكين التذكارات، بعد أن تحولت إلى علامة من علامات الحياة الباريسية اللاهية.

واقترن اسم تولوز لوتريك بمرابع الليل ومراقص حي مونتمارتر، وكان ملهى «الطاحونة الحمراء» ميدانه الذي يقتنص فيه أجواء لوحاته وألوانها والسحنات. وقد تولع براقصات «الكانكان»، ووضع ريشته في خدمة خطواتهن، وهو لم يكن يعيش الملهى من موقع المتفرج فحسب، بل اندمج في حياة المهرجين والنُدُل والمغنيات الفاشلات والزبائن الهاربين من بيوتهم، يذهب للقائهم مع حلول العتمة متأبطاً دفتر الرسم، ويجلس قريباً من خشبة المسرح، حيث يسهر ويمرح مع الساهرين. وكانت الراقصات يشفقن عليه بسبب قصر قامته، ثم كبر في عيونهن بفضل فنه الذي جاء له بالشهرة. لهذا جاءت لوحاته محملة بعبق علب الليل، ينطبق عليها عنوان رواية إرنست همنغواي «باريس في عيد».

ولم يكن الفنان شخصاً هامشياً، إذ ولد في قصر لوالدين من النبلاء، ينحدران من واحدة من أعرق عائلات فرنسا. وقد ورث عن أبيه لقب «كونت»، لكنه لم يلصقه باسمه، بل مضى يستثمر موهبته الفنية، ويبتدع لنفسه أسلوباً خاصاً في الرسم. ولم يكن يصطنع الخجل والترفع أمام الراقصات، ولا تردد في تصوير عوالمهن، بكل ما فيها من انكشاف. كما أنه لم يسمح لعاهته بأن تكون عثرة أمام نظرته للحياة، ولم يحاول أن يحمّل لوحاته بمشاعر النقمة والألم أو الشعور بالنقص. ومن دون أن يقصد، صار عموداً من أعمدة «مونتمارتر»، وشخصية يعرفها الرائح والغادي.

والمدهش في أعماله هو تلك الطزاجة التي تفيض منها؛ إنها تعود لما قبل 100 عام، لكنها تمتلك حداثتها التي لا تخبو مع الزمن. وقد وصف أحد النقاد لوحات تولوز لوتريك بأنها طبيعية، لم تعرف الأسمدة «أورغانيك»، تنتقل من حقل الفنان إلى مائدة المتفرج مباشرة، دون المرور بالمخازن والموزعين ورفوف الدكاكين. وفي مقدور تلك الرسوم والملصقات أن تأتي إليك بـ«الكاباريه»، حتى لو لم تطأه قدماك. وهو لم يكن الصديق الوفي لفتيات الليل وكاتم الأسرار فحسب، بل امتدت روحه النبيلة لتشمل الحيوانات والخيول التي تترك في الحظائر أو في خيام السيرك، والكلاب والقطط التي يطردها الجميع من كل الأمكنة. كان يتأملها من كل الجهات، ويلتقط خطوطها وحركاتها، ويزج بها في أجواء الوليمة الكبيرة التي يسجلها على الورق.

وبحساسية الفنان، كان يعرف أن وراء العيد الباريسي المتنقل المستمر بشراً منكسرين ونساء فقيرات وعائلات تترك أبناءها للشوارع. لذلك، فإن لوحاته انطوت على كثير من عدم الاستقرار، كأنه ينذر بالخطر الذي يترصد مهرجان الموسيقى والألوان. كان يضفي من أصالته رفعة على مشاهد البؤس، ويرسم البشاعة في أقصى جمالها، ويغطي الوجوه المرهقة بطبقات من المساحيق، ويعرف كيف يصور الابتسامات التي تراوح بين الضحك والبكاء. ورغم الأوجاع الشديدة في فقراته المنزلقة، فإنه كان يسخر من الألم، ويعالجه بالشراب، ويقول عن نفسه: «قامتي قصيرة، وليلي طويل». وكان يسخر أيضاً من الرجال طويلي القامة صغار النفوس، كأنه يباعد بينه وبينهم.

وفي واحدة من اللوحات، نرى الغانية من ظهرها متربعة على أريكة زرقاء في فضاء لوني مشغول بفوضى وعدم اكتراث، لكنها تلك الفوضى المرتبة جيداً في عقل مبدعها لكي تمنح الانطباع بالتشتت. وهناك في المعرض لوحات كثيرة للراقصات وهن في قمة انخطافهن بالموسيقى، يلوحن بتنوراتهن المؤلفة من طبقات الدانتيلا، ويقفزن في آخر الرقصة لكي يهبطن من علٍ بساقين مستويتين على الأرض.

هذه هي رقصة «الكانكان» التي ما زال مربع «الطاحونة الحمراء» يقدمها لزبائنه السياح الأميركيين واليابانيين، من سالف العصر حتى اليوم. يخرجون من السهرة ويطوفون في أزقة الحي لاقتناء نسخ من ملصقات تولوز لوتريك، وبالأخص تلك القطة السوداء ذات العينين الصفراوين التي ترفع ذيلها في تحفز جميل. هنا، عاش الرسام حتى أنهكه المرض والكحول والأمراض الزهرية. اعتكف للعلاج في مصحة تقع ضمن ممتلكات والدته في «مالروميه»، لكن جلطة أقعدته وشلت ساقيه. عندها، نقلته أمه إلى قصر العائلة ليموت بسلام. هناك، رأى أباه يحاول اصطياد ذبابة تحوم فوق سرير الابن المحتضر، فقال: «يا للعجوز الأحمق»؛ وكانت تلك آخر كلماته.

هذا، ويستمر المعرض حتى 27 يناير (كانون الثاني) المقبل.

قد يهمك أيضًا  :

سلطان القاسمي يحاضر عن تاريخ الخليج الجغرافي

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا تتذكر فنان الطاحونة الحمراء وتصميم الملصقات في معرض تولوز لوتريك فرنسا تتذكر فنان الطاحونة الحمراء وتصميم الملصقات في معرض تولوز لوتريك



نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ صوت الإمارات
المخرجة اللبنانية نادين لبكي باتت حديث الجمهور خلال الساعات الماضية بعد أن تم اختيارها لتكون عضوا في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لنسخة مهرجان كام السينمائي الـ77، والتي ستقام ما بين 14 و25 مايو القادم، وذلك بعد أن سبق لنادين لبكي وقد شاركت كعضو في لجنة تحكيم في مهرجان كان السينمائي ضمن مسابقة "نظرة ما" عام 2015، وبمجرد أن تم الإعلان عن الخبر حرص جمهور نادين لبكي على تسليط الضوء على أجمل إطلالاتها التي ظهرت بها في بعض المهرجانات الفنية والتي تميزت بالبساطة والرقي في كل مرة. نادين لبكي سبق وقد ظهرت في إحدى الفعاليات الفنية بأحد المهرجانات مؤخرًا وهي مرتدية فستان باللون الأسود الذي يبدو وأنها تعشق الظهور به باستمرار، وجاء الفستان طويلًا ومجسمًا وبصيحة الكب، مع فتحات عند منطقة الخصر، وانسدل الفستان مريحًا بداية من تلك المنطقة�...المزيد

GMT 23:44 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
 صوت الإمارات - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 19:00 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

شرطة دبي تنظم ورشة حول مكافحة الجرائم الاقتصادية
 صوت الإمارات - شرطة دبي تنظم ورشة حول مكافحة الجرائم الاقتصادية

GMT 09:15 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 19:37 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 08:39 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

بوجاتي تحتفل بتوصيلها 70 تشيرون حول العالم

GMT 04:50 2013 الأحد ,16 حزيران / يونيو

روي ويلسون رئيسًا لجامعة واين ستايت

GMT 19:29 2014 الثلاثاء ,26 آب / أغسطس

سفير الدولة يلتقي وزيرخارجية باراغواي

GMT 04:10 2014 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

انطلاق عروض مهرجان المسرح الكشفي في الشارقة

GMT 16:54 2013 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عرض كتيبًا لرسوم 118 فنان إیراني في معرض الکتاب

GMT 06:05 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

غرفة جدة تطلق مهرجان " جدة بحر 2018 " الجمعة القادم

GMT 08:43 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إيمان العاصي ضيفة "افصل واسمع"

GMT 14:08 2013 الإثنين ,11 شباط / فبراير

فيلم "زيرو"عنف المدينة ولغة العنف

GMT 14:49 2013 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نائب العاهل الأردني يلتقي مسؤولاً أمميًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates