فيلم الطريق الى الجحيم إشكالية العلاقة الجبرية بين الأباء والأبناء
آخر تحديث 04:48:44 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

فيلم "الطريق الى الجحيم" إشكالية العلاقة الجبرية بين الأباء والأبناء

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - فيلم "الطريق الى الجحيم" إشكالية العلاقة الجبرية بين الأباء والأبناء

واشنطن ـ وكالات

يستعرض المخرج الأميركي المبدع سام مينديس بفيلمه الثاني الرائع ' الطريق للجحيم ' (2002) قصة حياة رجل عصابات مخلص لعائلته يدعى سوليفان ( توم هانكس)، حيث يقوم ابنه ذو الاثنا عشر عاما بالاختباء خلسة في سيارة والده (لمعرفة ماهية عمله)، وذلك أثناء قيام الأب برفقة رجل عصابات آخر ( شكاك ويعاني من عقدة العظمة وقام بالدور دانييال كريغ) بقتل ستة رجال ! .  وعندما يكتشف هذا الأخير ذلك، يقوم بابلاغ والده العراب العجوز جون روني ( باول نيومن)، الذي يصدر أمرا صعبا بتصفية الابن الصغير ووالده خوفا من الوشاية، وعندئذ يهرب سوليفان مع ابنه ناجيا بنفسه، فيما يقوم ابن العراب العصابي المهووس بقتل زوجة سوليفان وابنه الصغير الثاني،ويتمكن سوليفان بمهارة أثناء هروبه من سرقة 'وديعة مالية كبيرة تخص العصابة' من أحد البنوك، كما يتم استئجار قاتل سادي معقد (جود لو) لمطاردته وتعقبه وقتلهما، وينجح سوليفان بعد مطاردات ومواجهات حابسة للأنفاس بالهروب ساعيا لتوصيل ابنه لأقربائه في بلدة نائية، ولكن القاتل العنيد يتمكن أخيرا من تعقبه وتحدث مواجهة مصيرية يقتل فيها الاثنان، ويتحول الفتى لاحقا بعد ان يكبر لكاهن، ونراه يتذكر بحزن واجلال والده الذي ضحى بنفسه لانقاذه، وقد بذل جهده لكي لا ينهج ابنه ' طريق الجحيم '، الذي اضطر هو شخصيا لأن يسلكه بحكم تبني العراب له، ونظرا لضيق العيش في عصر الكساد الكبير الذي أصاب أمريكا بثلاثينات القرن الماضي .  نال المصور السينمائي 'كونراد هول' جائزة احسن تصوير سينمائي عن المشاهد البصرية الرائعة، حيث صورت بمعظمها في اجواء ضبابية ماطرة، مع سيطرة الألوان الرمادية والقاتمة على معظم المشاهد باستخدام اضاءة فريدة، وبدت بعض المشاهد وكأنها لوحات رسم انطباعية جذابة ! أدى الممثل المخضرم الراحل 'بول نيومان' واحدا من أعظم ادواره السينمائية كعراب عجوز ' مجرم وشغوف وحكيم' في آن واحد، وانطبعت في ذهني مقولة رائعة له بأحد مشاهد القتل العنيف وعمليات التصفية المتبادلة، عندما قال معلقا : لن يدخل احدا منا الجنة أبدا نحن القتلة ! وأقول انا نفس الشيء تعليقا على مصير كل 'المسؤولين الحكوميين والمتمردين وأدعياء الثورة والمعارضة العرب' اللذين تسببوا ب 'القتل والقصف والتفجيرات وسفك الدماء' التي تجري حاليا في بلاد ما يسمى الربيع العربي، فلن يدخل أحدا منهم الجنة أبدا بل لن يشموا رائحتها بالرغم من ادعائهم وتشدقهم المزيف بالحق والدفاع عن النظام والديموقراطية والتعددية والحرية وبالدين والسنة ! كما أبدع الممثل 'جود لو' بدور المصور الفوتوغرافي والقاتل المأجور، الذي أدى دورا ساديا غريبا تمثل ب'وسواس مرضي' يجبره على قتل 'الجرحى المصابين' خلسة وتصويرهم مباشرة بعد قتلهم، جامعا صورهم بشكل 'ألبوم صور' للتباهي والاستعراض وتحقيق المتعة السادية ! تشابهت بعض مشاهد المطاردات هنا مع مشاهد المطاردة بفيلم 'سكاي فول'، وخاصة بأعلى ناطحة السحاب في شنغهاي وبدت حابسة للأنفاس وفريدة الطابع، كما أن مشاهد النهاية تشابهت بالتأثير الحزين الذي تركته لدى المشاهد بالرغم من اختلاف التفاصيل .  تميز هذا الشريط الرائع بقلة الحوار وباسلوب توصيل الانطباعات والأحاسيس العاطفية بواسطة التصوير الشاعري الخلاب وباستخدام موسيقى 'جنائزية ' حزينة، ومع ذلك فالفيلم لا يجر المشاهد للانعماس في الأحداث بحماس وان بدا مقنعا وممتعا، وقد وصف احد النقاد هذا الشريط بقصيدة سينمائية حزينة !  يتناول الفيلم باسلوب نادر تفاصيل العلاقة بين الأب والابن، وليس قفط بين مايكل سوليفان وابنه الصغير، وانما بين سوليفان نفسه ورئيسه زعيم المافيا جون روني، ثم لطبيعة العلاقة بين هذا الأخير وابنه البيولوجي 'العصابي العنيف' كونور، وكما يخشى سوليفان روني، فكذلك يخشاه ابنه، بينما يقع الزعيم في حيرة بين الاثنين المتبنى والبيولوجي، ويشعر بمسؤولية حمايتهما والاهتمام بهما! ولكن كونور يشعر بالغيرة الشديدة من علاقة والده بسوليفان، ويبذل قصارى جهده للايقاع بينهما، وهذه الضغينة هي التي تحرك أحداث الفيلم وتركيبته الدرامية وهي نفسها التي قادت مجريات المطاردات الشيقة كتأثير ديناميكية 'الدومينو'....ونلاحظ أن نفس هذه العلاقة القوية تحرك التفاعل مابين سوليفان نفسه وابنه الصغير الذكي، وتقوده تلقائيا للهرب من عالمه القديم الاجرامي ناجيا بنفسه، مما يدفع الابن لتقوية روابط علاقته المصيرية بأبيه المحبوب، كما يتبين للأب أن هذا الصبي 'الغالي' هو كل ما يملكه في الدنيا بعد اغتيال زوجته وابنه الأصغر على يد كونور الحاقد ...وتصبح رحلة هربهما ذات طابع وجودي،ووسيلة لا مفر منها لاكتشاف بعضهما البعض ...وتتصاعد الأحداث بعد المطاردة المثيرة مع القاتل السادي الماجور، حيث ينحصر الهم الأكبر للأب بعد السعي المحموم للنجاة والتخلص من القاتل العنيد، لحماية ابنه الصغير من امتهان الاجرام كوسيلة للحياة، وهذا بالفعل ما نجح فيه مضحيا بحياته، ولافظا انفاسه الأخيرة بين ذراعي ابنه الشجاع ( قام الفتى تيلور هوشلين باداء الدور بابداع منقطع النظير) ! ينقلنا الشريط المميز في المشاهد الأخيرة لحالة حزن حقيقي عندما يستعرض الابن الشاب منولوجا يسرد فيه بحنين جارف ذكرياته الأخيرة مع أبيه المتوفى وكانه ينعاه ويبرر أفعاله، متساءلا بحيرة وحيادية مصطنعة : فيما اذا كان 'سوليفان' رجل طيب ؟ ويجيب ببساطة مقنعا نفسه : أجل ...لقد كان ابي ! قليلة هي الأعمال السينمائية التي تعرضت بمثل هذا العمق والشاعرية للعلاقة الوجودية الجبرية ما بين الأباء والأبناء، وهنا تكمن فرادة هذا الفيلم، كما تكمن عبقرية الاخراج بنمط اخراج مشاهد القتل والعنف التي صممت لتظهر بسرعتها الحقيقية كما في الواقع العملي، وكأن الهدف هنا هو ليس التركيز على الضحايا وشخصياتهم كما هو الحال عادة بأفلام الجريمة، وانما على تأثير العنف كدليل على الفعل الاجرامي وكمحرك درامي للأحداث ...لذا يظهر الفيلم شخصية 'هانكس' الاجرامية ببداية الشريط من خلال ظلال تصويرية غامضة وليس بشكل مباشر واضح، لأن الهدف هو التركيز على الفعل الاجرامي كما يراه ويتاثر به الصبي الصغير! 

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيلم الطريق الى الجحيم إشكالية العلاقة الجبرية بين الأباء والأبناء فيلم الطريق الى الجحيم إشكالية العلاقة الجبرية بين الأباء والأبناء



GMT 00:48 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

كتاب جديد عن جهل ترامب بالمعلومات التاريخية والجغرافية

GMT 19:26 2020 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

الجمهور يفضّل الأفلام المقتبسة عن روايات

GMT 07:05 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مرصد مناهضة التطبيع هشكار يروّج للصهيونية

GMT 22:03 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"القاهرة السينمائي" يناقش فيلم أمومي في ندوة

GMT 16:38 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

7 أفلام إيطالية في الدورة 12 من بانوراما الفيلم الأوروبي

GMT 21:10 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "معجزة البقاء" في الإسكندرية الأربعاء

GMT 16:53 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

كتاب يحتفي بـ"طعام الشارع" في جهات المملكة المغربية

GMT 23:30 2022 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

الثور والأسد والميزان الأبراج الأكثر حمايةً لأحبائها
 صوت الإمارات - الثور والأسد والميزان الأبراج الأكثر حمايةً لأحبائها

GMT 22:59 2022 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

كيت ميدلتون تروّج لحفل الكريسماس الملكي
 صوت الإمارات - كيت ميدلتون تروّج لحفل الكريسماس الملكي

GMT 23:20 2022 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

شركة فلاي دبي تطلق رحلات إلى 7 محطات جديدة العام المقبل
 صوت الإمارات - شركة فلاي دبي تطلق رحلات إلى 7 محطات جديدة العام المقبل

GMT 23:27 2022 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لتنسق الأزهار في مدخل المنزل
 صوت الإمارات - أفكار لتنسق الأزهار في مدخل المنزل

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 17:36 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

احذروا الألعاب الـ 5 الأشد عنفًا على الاطفال

GMT 16:33 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

طرق تصميم "ديكورات" المطابخ "المودرن" المغلقة

GMT 22:16 2015 الأربعاء ,07 كانون الثاني / يناير

العاصفة الثلجية تتسبب في نفوق 10 ألآف طير دجاج في الأردن

GMT 10:25 2013 الخميس ,28 آذار/ مارس

كيف تتعملين مع طفلك شديد الحساسية؟

GMT 16:53 2013 الإثنين ,18 شباط / فبراير

وفد من بيروت يلتقي خاطفي اللبنانيين في سورية

GMT 20:32 2012 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مشعل يغادر القاهرة متوجهًا إلى قطر

GMT 01:34 2013 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

كيف تتغلبين على خوف طفلك ؟

GMT 12:20 2013 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

الإسماعلية تشهد أزمة وقود ومخاوف من تلف المحاصيل

GMT 16:55 2013 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

هنية يدعو إلى تأسيس مرحلة جديدة إيجابية بين "فتح" و"حماس"

GMT 05:46 2015 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

المخرجة السعودية هند الفهاد تنتهي من فيلم "بسطة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2021 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2021 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates