جانب من جلسة سابقة للمجلس التأسيسي التونسي

انتقد خبراء القانون الدستوري التونسي وعدد من القوى السياسية والحزبية من داخل وخارج ائتلاف "الترويكا الحاكم" مسودة الدستور الثالثة التي تم الإعلان عنها منذ أيام، فيما أكد الخبير في القانون الدستوري قيس سعيد لـ"مصر اليوم" أن الدستور الجديد صمم على مقاس حزب "النهضة الحاكم" وقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية لفائدة رئيس الحكومة، مشيرًا إلى أن الجدل القائم بشأن الصيغة الحالية للدستور يجعل من الصعب التقيد بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها المقرر قبل نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2013، في حين دعا القيادي في الحزب "الجمهوري" ناجي جلول عبر "العرب اليوم" إلى  إلغاء باب الأحكام الانتقالية في الدستور برُمته .وقد تقدم أكثر من 20 نائبًا من المعارضة التونسية و"كتلة حزب المؤتمر" من أجل الجمهورية في "المجلس التأسيسي التونسي"، الجمعة بشكوى قضائية إلى المحكمة الإدارية لوقف تنفيذ نتائج أشغال الهيئة المشتركة لتنسيق وصياغة الدستور.
وقال رئيس اللجنة التنفيذية والتشريعية والعلاقة بينهما في "المجلس التأسيسي"،عمر الشتوي أن هناك أطرافا تريد تمرير مشروع الدستور وفرضه بالقوة .كما اتهم  القيادي في "حزب المؤتمر" من أجل الجمهورية الذي يتزعمه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي،  رئيس المجلس التأسيسي وزعيم حزب "التكتل" مصطفــي بن جعفــر بالسعي إلى  تعيين النائب الثاني للتأسيسي العربي عبيد مكانه بعد أن قرر هو شخصيا تعليق اجتماعات اللجنــة التي يرأسها، معتبرا أن ما يخطط له رئيس التأسيسي تجاوز لصلاحيته وانتحال صيفــة وخرق للقانون.وفي سياق متصل، استنكر حزب "المؤتمر" من أجل الجمهورية الذي يقوده رئيس الدولة المنصف المرزوقي، شريك النهضة والتكتل في "ائتلاف الترويكا الحاكم"، قيام هيئة التنسيق والصياغة بالحسم بين الخيارات المتعددة في عدد من الفصول التي لم يتم البت فيها داخل اللجنة التأسيسية والتي لم يتم تداولها في حوار الأحزاب دون الأخذ بعين الاعتبار لنتائج التصويت الأولي داخل اللجان، مثل الفصول 72 و92 و94 و104.وتُعد النقطة الخلافية الأكبر بين حزب المؤتمر وحليفه في الحكم حزب النهضة الإسلامي، قضية النظام السياسي رغم أن النهضة قالت أنها قبلت أخيرا بـ"نظام مزدوج تكون فيه صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة متوازنة"، إلا أن حزب "المؤتمر" انتقد الصياغة المقترحة في الفصلين 76 و77 من الدستور وما جاء فيها من تقييد لصلاحيات رئيس الجمهورية في رسم السياسات العامة للاختصاصات الراجعة اليه بالنظر (الخارجية والدفاع والأمن القومي) بسلطات رئيس الحكومة الذي يحدد السياسة العامة للدولة وفق الفصل 90، وتقييد صلاحياته في التعيين بحق الاعتراض من قبل السلطة التشريعية بعد كان الاتفاق على رأي استشاري. وأيضا عدم احترام مبدأ توازي الصيغ في تعيين الوزراء في مجال اختصاص رئيس الجمهورية وإقالتهم حيث يكون التعيين بالتشاور بين الرئيسين ويختص رئيس الحكومة بالإقالة.
كما دعا حزب "المؤتمر" من أجل الجمهورية إلى تعزيز دور المعارضة في مؤسسات الدولة عبر تعزيز تمثيليتها في اللجان البرلمانية (كأن تترأس المعارضة مثلا لجنة المالية أو أن يكون أحد نائبي رئيس المجلس التشريعي من المعارضة)" وهو ما لم يتم التمسك به في الصياغة المقترحة.واعتبر حزب الرئيس التونسي المنصف المرزوقي  أن الأحكام الانتقالية الواردة بالباب العاشر من المشروع ليست محل توافق ، مطالبا بضرورة مراجعة الباب برمته ولا سيما النقطة المتعلقة بتعليق صلاحية المحكمة الدستورية في مراقبة دستورية القوانين عن طريق الدفع لمدة ثلاث سنوات وهو ما قد يشكل منفذا مقننا لخرق الدستور.من جهته أكد القيادي في الحزب الجمهوري ناجي جلول لـ"العرب اليوم" أن حزبه يعتبره الصيغة الثالثة والأخيرة من مشروع الدستور أفضل قياسا بالمشاريع السابقة خاصة من حيث تضمينها لتوافقات حقيقية بشأن الحقوق والحريات واعتمادها للنظام السياسي المزدوج، لافتا إلى ضرورة معالجة بعض النقاط العالقة والتي من بينها الفصل 141 باب السلطة القضائية والأحكام المتعلقة بتركيبته، إضافة إلى الفصلين  16 و17 الخاصة بالأمن الجمهوري.كما دعا جلول إلى مراجعة الفصل 124 المتعلق بالهيئة العليا للإعلام، إلى جانب ضرورة الحسم في ملف تحييد المساجد، مشددا على أن الحزب الجمهوري يرفض جملة وتفصيلا ما جاء في باب الأحكام الانتقالية ويدعو إلى مراجعتها بصفة جذرية.
أما النقطة الأخيرة التي يتحفظ عليها الجمهوري فتتعلق بمسألة التنصيص على أن الإسلام دين الدولة وهو ما اعتبره القيادي في الحزب ناجي جلول متعارضا مع مبادئ توطئة الدستور داعيا إلى إعادة صياغة الفصل بطريقة لا تتعارض مع الحريات في تونس.
على صعيد آخر، أكد الخبير في القانون الدستوري وعضو هيئة الحكماء السابق الأستاذ قيس سعيد لـ"العرب اليوم" أن المشكل ليس في النص الدستوري فهو من هذه الناحية لا يختلف عن دستور يونيو_حزيران 1959،باستثناء بعض الإضافات وباستثناء تنظيم السلطة التنفيذية فالقضية ليست في النص أو الفصول التي تمت إضافتها أو حذفها ولكن في التصور العام لهذا النص القانوني الهام معتبرا أن الدستور هو مجرد أداة للحكم وأداة لإضفاء المشروعية عليه.
واعتبر الخبير الدستوري أن صيغ تنظيم السلطة التشريعية والتنفيذية في النسخة الأخيرة من الدستور من شأنها تعطيل سير مؤسسات الدولة، معتبرا أن الدستور التونسي في نسخته الأخيرة قد صُمم على مقاس حزب النهضة الإسلامي صاحب الأغلبية الحاكمة وأنه ينطوي على العديد من مواطن الضعف والنقائص التي يجب تعديلها.
وأضاف سعيّد، أنه حين يتم الانحراف بالنص الدستوري عن مقاصده الأصلية وأهم مقاصده على الإطلاق تحقيق الحرية فإنه يفقد قيمته وجدواه ، مشددا على أن التجربة الدستورية في تونس وسائر الدول العربية تثبت أن نصوص الدساتير لم تحقق الغايات التي وضعت من أجلها بل كانت أداة بيد الحكام.
وتعقيبا على رفض أغلب القوى السياسية في تونس لباب الأحكام الانتقالية المثير للجدل، أكد خبير القانون الدستوري قيس سعيد أن هذا الباب يتضمن الكثير من الاخلالات من بينها دخول الدستور حيز التنفيذ ، عدم الدفع بدستورية القوانين، عدم تحديد موعد الانتخابات ،لافتا إلى أن نصوص الدستور وضعت حسب المقاس لخدمة مصلحة طرف سياسي معين دون آخر.
وبشأن النموذج المثالي للحكم الذي يجب أن يتم تطبيقه في تونس بعد أن احتدم الجدال بين القوى السياسية في البلاد بين رافض للنظام البرلماني ومؤيد للرئاسي وآخر مقترح لنظام مزدوج قال قيس سعيد أن البناء الديمقراطي في تونس يجب أن يتدرج من الأسفل إلى الأعلى من المحلي فالجهوري ثم الوطني، داعيا إلى تأسيس مجالس محلية في كل معتمدية ينتخب أعضاؤها عن طريق الاقتراع على الأفراد وتتولى الشؤون المحلية في حدود المعتمدية وتنبثق عنها مجالس جهوية (إقليمية) في كل محافظة، وعن هذه المجالس الجهوية تنبثق سلطة تشريعية وطنية.
أما فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية فدعا الخبير الدستوري قيس سعيد إلى أن يتولاها رئيس الجمهورية بالاقتراع العام والمباشر ويمارسها بواسطة حكومة يرأسها وزير أول (رئيس الحكومة)على أن تكون السلطة التنفيذية مسؤولة أمام الهيئة التشريعية،و يمكن للمجلس التشريعي أن يوجه لائحة لوم ضد الحكومة ويجبرها على الاستقالة ويمكن للرئيس حل الهيئات التشريعية، أما إذا وجّهت الهيئة التشريعية لائحة لوم ثانية فيصبح حينها الرئيس مُجبرا على تقديم استقالته فلائحة اللوم هي بمثابة الإنذار والثانية تعتبر الورقة الحمراء.
واعتبر أستاذ القانون الدستور وعضو هيئة الحكماء في حكومة حمادي الجبالي السابقة أن تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية برئيس الحكومة أو بلجنة برلمانية  كما هو معمول به في النسخة الحالية من الدستور من شأنه  أن يؤدي إلى تعطيل سير مؤسسات الدولة، مشددا على أن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعديهما المحددين قبل ديسمبر_كانون الأول القادم، أمرا صعب المنال  في ظل احتدام الاختلافات السياسية وعدم تشكل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى حد الآن.
على صعيد آخر، أكدت مصادر مطلعة لـ"العرب اليوم" أن  تنسيقية أحزاب "الترويكا الحاكمة" في تونس (النهضة،التكتل،المؤتمر) تعقد الجمعة 7 يونيو_حزيران 2013 اجتماعا للحسم في الخلافات  المطروحة بشأن الدستور.
من جانبه أشاد خميس قسيلة ، القيادي في حزب نداء تونس الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق الباجي قائد السبسي، بالتقدم الحاصل في النسخة الأخيرة من مشروع الدستور.
وقال خميس قسيلة "إنه رغم التقدم الحاصل في مشروع الدستور إلا انه مازال يشكو بعض الإخلالات والنواقص الأساسية خاصة في ما يتعلق بفصل تحديد السن للترشح للانتخابات الرئاسية ب75 سنة" .
ودعا قسيلة كل القوى الاجتماعية والمدنية لعقد جلسة عامة للمؤتمر الوطني للحوار لصياغة توافقات جديدة.
 يُذكر أن حزب "نداء تونس" يُعارض تحديد سن للترشح لرئاسة الجمهورية والتي من شأنها إقصاء زعيمه الباجي قائد السبسي (87 عاما)عن سباق الرئاسة.