سد النهضة

عقدت جلسة مفاوضات عاشرة في الخرطوم وضمت وزراء الخارجية والري في مصر والسودان وإثيوبيا إلا أنها باءت بالفشل في التوصل إلى حل، قبل أن يتقرر عقد جلسة جديدة في الخرطوم في السابع والعشرين من الشهر الجاري. لكن يتوقع إرجاؤها في ظل تزامن الموعد مع احتفالات الميلاد، ما أثار مطالب في مصر باللجوء إلى القضاء الدولي لوقف بناء السد الذي تتخوف القاهرة من تأثيره على حصتها من مياه النهر.

ويصر المسؤولون المصريون على المضي في الخيار التفاوضي، إذ قلّل وزير الري حسام المغازي من المخاوف من بدء إثيوبيا في ملء خزانات السد، موضحًا في تصريحات صحافية عقب عودته إلى القاهرة، الأحد، أن "ما تم من إنشاءات عامة للسد بلغ 48 في المئة، أما بالنسبة إلى هيكل السد الذي سيتم تخزين المياه فيه فإن نسبة البناء لم تتجاوز 20 في المئة".

وكشفت مصادر مصرية مطلعة على الملف أن جلسة المفاوضات التي جرت الجمعة والسبت الماضيين شهدت "شداً وجذباً بين القاهرة وأديس أبابا، وسعى المسؤولون المصريون إلى التركيز على ضمان حصة المياه، والربط بين خطوات إنشاء السد والمسار التفاوضي، الأمر الذي قابله الجانب الإثيوبي بالرفض الشديد، مفضلاً البحث في التوصل إلى حلول للمسار الفني وأزمة اختيار المكاتب الاستشارية التي سيوكل إليها وضع الدراسات الفنية والبيئية لتأثيرات السد".

وأشارت إلى أن "الجانب الإثيوبي شدد أكثر من مرة خلال الاجتماع على رفضه تسييس القضية، وتعهد أنه لن يضر بمصالح مصر المائية، لكن المفاوض المصري رد على تلك التعهدات بضرورة النص في اتفاق مكتوب على ضمان الجانب الإثيوبي حصة مصر من المياه وعدم نقصانها ومشاركة القاهرة في إدارة السد". وقالت: "هناك فجوة بين الجانبين حول مسار التفاوض، فأديس أبابا تركز على خطوة الدراسات الفنية للسد، فيما القاهرة تسعى إلى القفز على تلك النقطة والذهاب إلى ضمان حصة المياه باتفاق مكتوب".

وكان وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا اتفقوا في نيسان/أبريل الماضي على اختيار مكتبين استشاريين هما "بي آر إل" الفرنسي كمكتب رئيس و "دلتارس الهولندي" كمكتب مساعد للتعاون في تنفيذ الدراسات اللازمة لمعرفة الآثار المائية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية لبناء السد على دولتي المصب مصر والسودان. لكن تفعيل الاتفاق تعطل بسبب خلافات حول المكتب الهولندي.

وشدد وزير المياه المصري على أن قضية السد "ملف أمن قومي". وقال إن "المفاوض المصري وطني مخلص وحريص جداً على الثوابت والمبادئ الأساسية، وحقوق مصر التاريخية والمائية في نهر النيل خط أحمر لا نسمح بتجاوزه لأن النيل مصدر حياتنا جميعاً". ودعا إلى "الثقة في القيادة والمفاوض المصري الذي يعي ويدرك تماماً قلق الشارع المصري، وخطورة عنصر الوقت، وأهمية التوصل إلى قرارات ونتائج إيجابية حاسمة في الوقت المناسب".
 
واستبعد بدء الجانب الإثيوبي في تخزين المياه، مشيرًا إلى أن "نسبة الإنشاءات العامة في السد بلغت 48 في المئة، أما بالنسبة إلى هيكل السد الذي سيتم فيه تخزين المياه فإن نسبة البناء لم تتجاوز 20 في المئة". وكشف أن الاجتماع السداسي المقبل سيبحث في "وضع آلية لمتابعة عمليات البناء على الأرض لطمأنة الجانب المصري، بالتنسيق مع إثيوبيا، بما لا يتعارض مع الدراسات الفنية وبما لا يمس سيادة الدولة"، معتبراً أن ذلك "موضوع في غاية الحساسية والدقة".

وعن دور المكاتب الاستشارية الدولية وانسحاب المكتب الهولندي، قال الوزير إن "المكتب الفرنسي حصل على أعلى الدرجات باتفاق الدول الثلاث، وهذا المكتب ما زال المرشح المستمر، أما الهولندي فما زال متردداً، ونبحث عن مكتب بديل خلال الأيام المقبلة أياً كانت جنسيته".

وكان قادة مصر والسودان وإثيوبيا وقعوا في آذار/مارس الماضي، على وثيقة إعلان مبادئ في شأن "سد النهضة"، تشمل ضوابط تحكم التعاون في ما بين الدول الثلاث للاستفادة من مياه حوض النيل الشرقي والسد الإثيوبي. لكن أستاذ الموارد المائية نادر نور الدين يرى أن على البرلمان المقبل "رفض التصديق على هذا الاتفاق، ومن ثم لا يعتد به".

وأوضح أنه في حال اتخذ البرلمان هذا القرار "ستتنصل القاهرة من اعترافها بالسد الإثيوبي، ومن ثم سيكون من حقها مقاضاة الجانب الإثيوبي أمام الأمم المتحدة والمحكمة الدولية، والمطالبة بوقف بناء السد الذي يهدد حياة المصريين". ولفت إلى أن "عدم التصديق على إعلان المبادئ سيوقف التمويل الأجنبي الذي تدفق خلال العام الماضي بعدما كانت القاهرة تمكنت من وقفه". وشدد على ضرورة "تصعيد الموقف المصري وعدم الارتكان إلى خيار التفاوض، في ظل تعنت الجانب الإثيوبي الذي يراهن على عامل الوقت".

وأوضحت مساعدة وزير الخارجية السابقة لشؤون أفريقيا منى عمر أنه لا ضرورة للجوء إلى القضاء الدولي "في هذه المرحلة"، وإن كانت تراه "مساراً ضرورياً يجب التلويح به". وقالت: "يجب استكمال مسار التفاوض، وفي حال وصلنا إلى مرحلة الفشل التام، نخوض في مسار القضاء الدولي". وقللت من إعلان المبادئ معتبرة أنه "ليس اتفاقاً ملزماً تعترف فيه مصر بالسد، وإنما هو مرتبط بضرورة استكمال الدراسات الفنية". وأوضحت أن "مصر لا تمتلك دراسات دولية تؤكد الآثار السيئة للسد الإثيوبي، وإنما من الممكن اللجوء إلى القضاء الدولي لتجميد إنشاء السد وإلزام الجانب الإثيوبي بالمرونة حيال استكمال الدراسات".