المبـدع فـاروق شوشـة سيـرة المتيّـم بـ "لغتنـا الجميلـة"

عاش متيماً بـ"لغتنا الجميلة" والشعر والأثير، كتب عن لآلئ القلب وكلماته الصافية، وحين أراد أن يضع بين يدي قرائه مختارات من ديوان الشعر العربي الطويل الممتد، لم يذهب إلى الفخر أو المدح أو الهجاء أو الوصف، بل آثر الحب، وقصائده الحافلة "بالقيم الإنسانية والفنية والحضارية".. إنه المبدع فاروق شوشة الذي "استراح"، الجمعة، وسط "الشعراء"، قريته الشمالية القريبة من مياه البحر المتوسط في مصر.
مسيرة شوشة، الذي غاب عن 80 عاماً، تبدو كأنها منذورة لمهمة ما، وهي إلصاق الجمال بلغتنا، بدلاً من مصطلح لغتنا العربية، فهو صاحب المصطلح والبرنامج العَلم في الأثير العربي، بمقدمة محفّزة: "أنا البحر في أحشائه الدر كامن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي"، وبعدها يأتي صوت عاشق حقيقي، يبدأ هادئاً ثم يتعالى بانفعال محسوب مع الكلمات العذبة التي يتخيّرها من كل العصور، شعراً ونثراً، من زمن "أفاطم مهلاً بعض هذا التدلّل" إلى زمن "بلقيس كانت أطول النخلات".. وبعدها يودّع صوت شوشة جمهوره ليلاقيه في اليوم التالي مع جماليات جديدة للغة العربية وكنوزها.
وبدأت رحلة المبدع المصري مع "لغتنا الجميلة" منذ سبتمبر عام 1967، وحظي البرنامج بجماهيرية كبيرة، فتحولت الحلقات إلى كتاب. ويؤكد فاروق شوشة الذي أبدع نحو 18 ديواناً شعرياً، والعديد من الإصدارات النثرية، وترأس جائزة محمد بن راشد للغة العربية، أن هدفه من "لغتنا الجميلة"، وتخيره لتلك المواد الأدبية "لم يكن هدفاً تعليمياً، بل جمالياً يحرص على الإشارة إلى مواطن الجمال.. بهدف تكوين ذائقة أدبية ولغوية تنمو بفضل المزيد من القراءة والاستماع والتأمل".
سؤال بعينه كان يجيب عنه بثقة العاشق الحقيقي للغته، والسؤال هو: أبعد كل هذه السنوات.. لاتزال تجد جديداً تضيفه إلى مكتبة "لغتنا الجميلة"؟ أما الإجابة فهي: "كل ما قدمته في حلقات البرنامج ليس إلا قطرة واحدة في بحر حافل مترامي الأطراف، لا يمكن الإحاطة، حتى ببعضه، في برنامج مهما امتد به الزمان".
"الأصيل المجدد".. ربما وصف يصلح لتلخيص مسيرة فاروق شوشة الذي ارتبط بتراثه ولم ينغلق عليه، تجاوزه ولم يكرره، كتب القصيدة العمودية والنثرية وحتى النقد، غاص في الماضي ولكن لم يغب فيه، بل لامس أزمات حاضره وتفاعل مع كل قضاياه، ولم ينسَ ما يقوله الدم العربي هنا وهناك.