مهرجان الشعر العربي

استضافت خامسة أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي، مساء أمس الأول الجمعة في قصر الثقافة، خمسة شعراء ينتمون إلى تيارات شعرية متباينة، قدموا فيها قراءات تعكس تجاربهم في كتابة القصيدة العمودية، والتفعيلة، والنثر، حيث شارك في الأمسية التي أدارها الإعلامي رعد أمان كل من صالحة غابش، وحسن النجار "الإمارات"، وخالد بودريف "المغرب"، وأحمد الصويري، وسامر رضوان "سوريا" .
تنوعت قراءات الأمسية بتنوع الأصوات الشعرية المشاركة فيها، حيث انكشفت فضاءات لغوية متعددة، وتقنيات شعرية متفاوتة لكل شاعر، إضافة إلى المستويات الدلالية التي يشتغل فيها الشعراء، فبعض القصائد بحثت عميقاً في الذات البشرية، وأخرى شرعت نوافذ على علاقة الوطن، وأخرى انشغلت بتقديم الهامش بوصفه متناً قابلاً ليؤثث قصائد عالية .
واستهل قراءات الأمسية الشاعر سامر رضوان بقصائد ظهر فيها منشغلاً براهن المشهد السياسي السوري، بما يشتمل عليه من يوميات الحرب والقتل والخراب، مقدماً تجربته الشخصية بوصفها تكثيفاً لما يجري في وطنه سوريا، فقرأ:
"أراقب وجهي, فأذكر حرب العصابات, عين وعشب وبعض جبل, خريطته غاية في البلاهة, ليس انتقاصاً من الغيب بعض العيوب, أشبهه بالجمل, وتخجل مني السماء إذا أمطرت ونظرت" .
وتوقفت الشاعرة صالحة غابش في قراءاتها عند تأملات في الحالة الإنسانية وقدرة اليومي على تشكيل مفارقاتها، فانحازت إلى شخصية البطل في القصيدة لترسم معالم نصها وتدفع فيه الحدث، والصورة، والمواقف، والمجاز، معتمدة بذلك على قدرة الحضور الآدمي على فتح مساحات على كل شواغل الشعر، فقرأت من قصيدة حملت عنوان "أخطاء شائعة":
"نسي البيت أين/ أضاعت خطوته شارعه/ فرأى اسمه عنواناً للأخبار/ في النشرة الخادعة/ ضائع عن أمكنة/ كان يجمع فيها أحلاماً رائعة/ حلما لبلاده" .
وفي قصيدة بعنوان "صوت" وظفت الشاعرة دلالات الصوت وكل ما يمكن أن يتعلق به بوصفه أثراً سمعياً لتكتب قصيدتها في متتالية قائمة على الصوت، حيث فتحت بذلك فضاءً من التأويل والحدث المعلق على نتيجة تظل القصيدة كلها تدور حوله حتى تسقط في ختامها في تلك النتيجة، إذ تقول فيها:
"عودته/أنها إن سمعته/سوف تأتي/ما تبقى عنه شيء سوى حزن وصوت/ صوته ابتل بكاء/ فوق أنقاض بدت رسماً لبيت/ صاح: يا أمي/ فجرى الصوت نهراً" .
وانحاز الشاعر حسن النجار إلى الومضة الشعرية التي تتراكم لتبني مساحة شعرية كاملة تظل تدور في فلك واحد اختاره الشاعر، طارحاً بذلك تقنية متفردة في نسج قصائده، فتبدى اشتغاله على علاقة الشاعر بين المكان، وقرأ من قصيدة بعنوان "موسيقى الأصداف":
"يا بحر تسحرنا في كل حالاتك/ في صمت موجك أو إعلان غضباتك/ تعانق الشاطئ الولهان منتشياً/ حتى رذاذك يفضي سر موجاتك" .
وشكلت مفردة الحب فضاء شاسعاً في قصائد النجار، إذ بدا واضحاً اشتغاله على الحب بوصفه حالة إنسانية قادرة على شعرنة كل ما تمسه وكل ما يمر فيها وتمر فيه، فزاوج بين الحب والحياة، مقدماً كل منهما وكأنها قابلة لتكون الأخرى، فألقى من قصيدة بعنوان "ترانيم حب":
"هذي الحياة بها للروح متسع/ إذا نظرنا لها من: شرفة الحب/ معاً نسير بإحساس البدايات/ نضيء أمنية أخرى/ ونبتكر/ كأن قصتنا وحي الروايات/ أو بيت شعرٍ حكانا وهو يختصر" .
وأنتج الشاعر خالد بودريف من الشعر موضوعاً لقصيدة، يروي فيها علاقته مع الكلمات وتنامي الفكرة في ذهنه حتى تبلورها قصائد ناجزة، مشتغلاً بذلك على المساحة التي تفصل بين الشاعر ونصه، وكأنه بذلك يماهي بين القصيدة وكاتبها، حيث قرأ في قصيدة بعنوان "باب على الشمس"
"رسمت من شجر الأحلام ما يكفي/ لتثمر الكلمات البكر من كفي/ لتشرق الشمس من ظلي على كتب الدنيا/ ويشرب حرف الشمس من حرفي/ حملت عمراً قديماً فوق خارطتي/ أنى اتجهت سكبت الرمل من خفي" .
وفتح بودريف باب قصيدته على علامات مكثفه ذات دلالات شاسعة في اللغة، مشتغلاً بذلك على مفردات الشمس، والماء، والضوء، والنخل، والصحراء، مكثفاً صوره الشعرية ومعولاً على ما تحمله الصور من إشارات، ومشتغلاً في الوقت ذاته على قلب الصور الشعرية الجاهزة، فقرأ من قصيدة حملت عنوان "أمير الضوء":
"زرعت ماء/ لكي تخضر صحرائي/ ورداً مضيئاً/ كوجه الشمس/ في الماء/ سطراً أخيراً- لكي يحيا بآخره دمع، أخط به/ في الضوء أسمائي" .
وانكشفت قدرة الشاعر أحمد الصويري على فتح مشاربه الشعرية على نص قصيدته، ليكتب نصا يستقي عوالمه من قراءته لأعماق شعوره الإنساني، والتماثل لتجربته العاطفية، وما يمضي على هامش ذلك من عوالم تفتح نوافذ على الذاكرة، والمكان، والتأملات الذاتية، فقرأ من قصيدة بعنوان "طفلة الأمس"
"يا طفلة بالأمس تطرق بابي
                           خلف الشموس، وليس تدري ما بي
تغفو على خد الأصيل كأنها
                           عصفورة وقفت على أهداب
وتدير كأساً للهوى في عينها
                            وبعطرها نهراً من الأنخاب"
ووقع الصويري ديوانه الصادر حديثاً عن دائرة الثقافة والإعلام ضمن إصدارات المهرجان بعنوان "نبوءة لما يأتي من الغيم"، الذي يأتي في 125 صفحة من القطع المتوسط، يجمع خمساً وعشرين قصيدة تتنوع بين العمودي والتفعيلة .