مساجد دبي القديمة

لا تقتصر القيمة التراثية والتاريخية على الأسواق والمقتنيات المهمة والأبنية القديمة، ولكن تحتل دور العبادة مكانا بارزا بين المعالم الأثرية لأية مدينة في العالم، لأنها تجسد الثقافة المعمارية السائدة آنذاك، وتعبر عن فلسفة التصميم المتبعة وقتها على اعتبار الأهمية الدينية التي تمثلها دور العبادة .

في دبي كوكبة من المساجد الأثرية تمثل أجيالاً متعاقبة من الطرز الفريدة والبسيطة في العمارة، يحرص السائحون على زيارتها للتعرف إلى مفردات ثقافة الفترة التي شيدت فيها، يزيد عمر أحد هذه المساجد على 200 عام .

لا تدخر إدارة التراث العمراني جهدا في سبيل حماية هذه المساجد، ونتعرف هنا تاريخها وسبل صيانتها .

تتميز الإمارات بشكل عام باهتمامها الواضح ببناء المساجد، حيث ترى أنها لا توفر خدمة دينية للمصلين فقط وإنما تمثل أماكن جذب للراغبين في التعرف إلى الثقافة الإسلامية من غير المسلمين مقيمين وزوارا أيضاً .

وأكد رئيس قسم تنفيذ مشاريع التراث العمراني في إدارة التراث العمراني في بلدية دبي أحمد محمود   "من نعم الله عز وجل على مساجد دبي التراثية والتاريخية خصوصا التي تعود لأكثر من مئتي عام، ومنها ما هو موجود في منطقة الشندغة التراثية، أنه رغم التطوير الدائم لها والترميمات لم يُصبها أي مكروه ومازالت على حالها" . ويكمل محمود "يعد مسجدا الشيوخ، والشريعة من أقدم المساجد في دبي والتي لم يصبها أي آذى مع الترميمات والتطويرات التي تحدث فيها بشكل مستمر، إلى جانب مسجد ابن لوتاه الموجود مقابل مدرسة الأحمدية والتي تعد أحد أقدم مدارس دبي .

ويضيف "معظم المساجد التراثية في دبي بنيت على الطريقة التقليدية من أخشاب الصندل، والحجر الجص، والأبواب والنوافذ جميعها ذات زخارف ورسوم تقليدية ذات التراث الإسلامي، ولدينا في دبي ما يقارب الخمسة عشر مسجدا مصنفة ضمن تراث الإمارة، عدا مسجد الشريعة الموجود في منطقة حتا التراثية الذي تم ترميمه مؤخرا، وللتوضيح معنى كلمة الشريعة ليست مأخوذة من مصطلح الشريعة الإسلامية، وإنما مصطلح يدل على أماكن جريان المياه مثل "الفلج"، وتم تشييد هذا المسجد من الطين والأسقف من ضلوع النخيل من البيئة الموجودة فيها .

وعن مكونات المساجد التراثية يؤكد يتكون المسجد من جزأين مهمين هما قاعة الصلاة، والليوان، إلى جانب المحرابين وهذان المحرابان يستخدم أحدهما في الصيف والآخر في الشتاء، ويظهر هذان المحرابان بشكل كبير من خلال بعض المساجد الموجودة في منطقة الشندغة التراثية التي تحتوي على محراب علوي كان يستخدم للصلاة في الصيف .

ويشير رئيس مركز دبي للوثائق التاريخية بالإنابة عبدالعزيز الشحي  "المساجد التراثية القديمة بدبي تمتاز ببساطتها، في موادها، متواضعة في بنائها، حيث إنها لا تشكل أي خطر على البيئة المحيطة بها، خصوصاً بعد اندثارها أو تحللها، لعدم وجود أي مواد ملوثة للبيئة" .

ويضيف الشحي "بُنيت تلك المساجد من الحجر المرجاني مع الطين، وهناك أنواع أخرى من الطابوق الرملي، وجميعها مساجد صغيرة بُنيت بهدف تأدية الفروض فقط، وليست لصلاة الجمعة، لاسيما أحد المساجد مثل مسجد الشيوخ فكان الأكبر بمنطقة الشندغة وكان يجمع كل الشخصيات يوم الجمعة، كذلك ما يميز هذه المساجد عدم الإفراط في الزخارف على جدرانها حيث اتسمت بالبساطة وتنقسم لنوعين الجصية، والفحمية، وبالتالي ففكرة البساطة في تلك الزخارف وعدم وجودها في وجه المحراب كان له سبب مهم وهو عدم إلهاء المصلين بالنظر إليها وفقدانهم التركيز في الصلاة .

وعن مكونات المساجد التراثية القديمة يصف الشحي "يتكون من المواد التالية في بنائه الخشب، الحجر المرجاني، الطين، وجميعها مواد عازلة للحرارة في الصيف، والبرودة في الشتاء، وبشكل عام يتكون من البهو أي الساحة الخارجية وكانت جزءاً من المسجد، ومحل الصلاة . وفروشاتها كانت من الحٌصر التقليدية، وتحتوي بداخلها على طوي (بئر) وحوض مملوء بالماء للوضوء خصوصا مع عدم وجود خزانات آنذاك" .

وعلق الشحي على دور المساجد التراثية القديمة مؤكدًا "لها ثلاثة أدوار الأول تعبدي، الثاني اجتماعي حيث كل منطقة كان لها مسجد صغير لأداء الفروض، ما يدل على الترابط الاجتماعي والمودة والتراحم آنذاك، أما الدور الأخير فكان صلة ربط بين الحاكم والمحكوم، الراعي والرعية، وأكبر مثال على هذا مسجد الشيوخ الموجود بالشندغة، ومسجد بن زايد، فكل من كان له مشكلة كان يأتي ويحكي عنها بكل أريحية وتُحل على الفور .

وينهي الشحي مدير مركز دبي للوثائق التاريخية بالإنابة، وهو يتذكر أسماء الأئمة والمؤذنين الذين كانوا في تلك المساجد قديماً وأشهرهم بلال بن فيروز، خورشيد، عبدالله الجناحي، صالح محمد الشحي إمام وخطيب مسجد الشيوخ، أحمد بن سلطان المري إمام وخطيب مسجد بن حارب، عبد الله أحمد الشحي إمام وخطيب مسجد العتيبة، وغيرهم كثير .

انتهى عبدالرحمن العبادي ضابط أول دراسات ومطبوعات تاريخية بقسم دراسات التراث بإدارة التراث العمراني، مؤخرا من تأليف كتاب يصدر قريبا عن إدارة التراث العمراني ببلدية دبي، يتناول فيه المساجد التراثية القديمة بدبي وتاريخها وكثير من التفاصيل الأخرى التي توصل إليها .
وبين أن "المساجد التراثية القديمة، تاريخ وتراث لن يمحوه الزمان، وباق في نفوس أجيالنا، وهناك الكثير لا يعلم عددها الحقيقي، وما بقي منها، وما تم ترميمه، وأعيد بناؤه مجدداً ولكن بالشكل والمواد نفسهما .

مساجد دبي القديمة تصل تقريباً إلى 20 مسجداً، أهمها وأقدمها مسجد الشيوخ الموجود بمنطقة الشندغة التاريخية وبناه الشيخ حشر بن مكتوم رحمه الله، من الجص، والحجر البحري، ورمم ،2001 ومسجد المر بن حريز ويتسع لمئة مصلٍّ، وتم ترميمه عام ،1997 والملا بني عام 1920 وبناه سعيد بن راشد الملا، وأعيد ترميمه ،1998 ومسجد بن زايد والذي شيده عبيد بن زايد ورممته البلدية ،1998 ومسجد بن لوتاه والذي يقع بمنطقة الراس، ورممته البلدية 1995 ويتسع ل58 مصلياً .

وبالنسبة لمنطقة حتا التاريخية فهناك مسجد الشريعة الذي يرجع تاريخ بنائه لما يزيد على 160 عاما وبني بالحجر والطين، ويتسع ل116 مصلياً، ورمم عام 2000 . ويضيف العبادي "هناك أيضاً مساجد أخرى بعضها هُدم لعدم سعته للمصلين، والآخر أعيد بناؤه بالطريقة نفسها أو تم ترميمه، ومنها مساجد بن دلموك وبُني عام ،1850 وأعيد بناؤه ،2004 مسجد الفاروق والذي هدم بسبب صغر حجمه، أما بالنسبة لمساجد المناطق الأخرى بديرة فهناك مساجد مثل بن سليم، والفطيم بمنطقة الراس، وبلهول، بن شبيب في منطقة البطين، ومسجد السادة في منطقة السبخة، عيال ناصر، الزرعوني، بن صنقور في منطقة عيال ناصر، أما بمنطقة نايف فهناك مسجد أحمد الغرير .

وعما يتناوله الكتاب يؤكد "هناك تفصيلات كثيرة في الكتاب لا يعلمها أحد وستنشر ضمن الفصول المختلفة، سواء من حيث الشكل المعماري وتواريخ البناء، والمراحل التي مر بها، وغيرها .

ويضيف "ذكرت أيضا انعدام الزخارف والنقوش بداخلها بعكس الحال الآن، خصوصا أن تلك الفترة تميزت بالتقشف والزهد، ولعدم شَغل المصلين بالنظر إليها أوقات الصلاة أو الخطب" .
وعن استعانته بأشخاص عاصروا أيام هذه المساجد يصف العبادي "كانت هناك مقابلات، لكنها لم تكن كثيرة، خصوصاً أن بعض ممن عايشوا تلك الفترة توفاهم الله، وإلى جانب الاستعانة بالأشخاص العاديين وبالقراءات، والمجلدات الموجودة بالإدارة، وبعض المهندسين والمرممين لبيان الأساسات، ومعرفة كيفية التخطيط، ونمطية البناء" .

وينهي العبادي حديثه مشيرًا أن  "المساجد القديمة تميزت بالبساطة، ومساجد جماعة للفروض فقط، عدا مسجد بن دلموك، ومسجد الشيوخ الذي كان يتسع لأكثر من مئة شخص، وكان أهل ديرة يأتون أيام الجمعة عن طريق العبرات ليؤدوا الصلاة في المسجد، وكان الشيوخ آنذاك يتحملون نفقة تنقلهم من مناطقهم إلى المسجد .

مسجد الشريعة من أقدم مساجد دبي والموجود في منطقة حتا ويعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 160 عاما تقريبا وبٌني من الطين وضلوع النخيل .

ثاني أكبر مساجد دبي التراثية هو مسجد الشيوخ وتم إنشاؤه في منطقة الشندغة في دبي عام 1897 ويصنف جامعا في تصنيفات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الخاصة بالمساجد، ويصل عدد المصلين فيه إلى 100 مصل، ومساحته 220م تقريباً، وتم ترميمه وإعادة بناءه بتبرع من الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وبلدية دبي في مناسبتين، الأولى كانت عام 1961 والثانية عام 2001 ويعد من الطراز الأثري المحلي .

مسجد بن لوتاه ويقع في منطقة الراس في ديرة مقابل مدرسة الأحمدية ويعود تاريخه إلى عام ،1910 ومسجد بني عتيبة أو كما يعرف الآن مسجد العتيبات وبناه السيد بن عتيبة ببر دبي في منطقة الشندغة عام ،1914 وهو صغير الحجم مقارنة ببقية المساجد إذ يتكون من طابق واحد، وكسائر المساجد ينقسم إلى إيوان، وقاعة للصلاة، ويحتوي على عدد من العناصر المعمارية التقليدية من أبواب، ونوافذ، ورمّمه قسم المباني التاريخية ببلدية دبي عام 2001 وفقاً للأساليب التقليدية في البناء . مسجد "بن زايد" وشيد في عام 1920 ويعد نموذجاً للعمارة التقليدية في المنطقة، وكذلك مسجد الملا وشُيد في عام ،1920 وبناه سعيد بن راشد الملا، رحمه الله، وجاءت أهميته من موقعه الجغرافي الذي يطل على مدخل خور دبي ويشرف على شريان المدينة البحري، كما أنه مقر يقع قرب مقر الأسرة الحاكمة بمنطقة الشندغة، في جوار بيت الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم رحمه الله ومسجده أكسبه أهمية كبيرة، وتبلغ مساحته 200م، وأهم ما يميزه (المنارة والمئذنة) اللتان تعدان في المنطقة .

المسجد الكبير في بر دبي ويقع بالقرب من ديوان الحاكم على جانب بر دبي، بني في عام ،1980 وأعيد بناؤه عام ،1998 وتغطى جدرانه الرمال الملونة والأقفال الخشبية والنوافذ الزجاجية، كما أنه يحتوي على أعلى مئذنة في دبي ويبلغ طولها 70 متراً، إضافة إلى المآذن الأخرى، ويعد تحفة معمارية بنيت على الطراز التراثي القديم .

وبجانب هذه المساجد هناك العديد من المساجد الحديثة المبنية على الطريقة التراثية القديمة، التي تتميز بها دبي ودولة الإمارات بشكل عام .