نادي القصة

استضاف نادي القصة في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في الشارقة، مساء أمس الأول الاربعاء في مقره الدكتور غانم السامرائي، رئيس قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة الشارقة، في محاضرة حول رواية "الطريق الضيق إلى الشمال العميق" للكاتب الاسترالي ريتشارد فلانغن الفائزة بجائزة (مان بوكر) لعام ،2014 وهو ثالث استرالي يفوز بهذه الجائزة حيث سبقه توماس كينيلي في عام ،1982 وبيتر كاري لوشيندا في عام 1988 .
أدار الأمسية الناقد عبدالفتاح صبري متحدثا عن السامرائي بكونه محاضرا وخبير ترجمة له عدة بحوث وترجمات منشورة، وأشار صبري إلى أن "جائزة مان بوكر" التي فاز بها فلانغن أو "جائزة بوكر" كما تختصر، هي إحدى أرفع الجوائز في العالم، وهي جائزة بريطانية للرواية المكتوبة باللغة الإنجليزية والمنشورة في بريطانيا، ويعتبر الفوز بها علامة تميز وفرادة في كتابة الرواية .
عرف غانم السامرائي في مستهل حديثه بالروائي فلانغن الذي ولد في عام ،1961 وهو ينحدر من أصول إيرلندية، استقر في ولاية تسمانيا وهي الجزيرة التي تقع على بعد 240 كلم جنوب الجزء الشرقي من القارة الأسترالية، وكيف أنه درس في جامعتها وغير تخصصه كما هو حال الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب الذي استذكره المحاضر وهو يقرأ عن التجربة الشخصية للروائي فلانغان .
وعدد د . السامرائي الأعمال التي كتبها فلانغن مبتدئا بأول عمل يتحدث عن سيرة أحد رجال الأعمال الاستراليين بسبب حاجة فلانغان للمال، ومن ثم طبع روايته الأولى في عام 1994 وكانت بعنوان "موت دليل سياحي" ثم جاءت رواية (صوت يد واحدة تصفق) مرورا بروايته الأخيرة "الطريق الضيق إلى الشمال العميق" التي ينتوي د . السامرائي ترجمتها إلى العربية في هذا العام، وتدور أحداث الرواية التي تعتبر السادسة في سلسلة أعمال فلانغن حول الجراح دوريغو ايفانز وقصة حب جمعته مع زوجة عمه، وهي تستوحي تجربة والده في معسكر اعتقال ياباني لأسرى الحرب على طول سكة حديد تايلاند بورما، المعروفة ب"سكة الموت" والظروف الأليمة التي عاشها والده وهو السجين رقم ،335 ورغم أن والده خرج من السجن وعاش حياة طبيعية بعد ذلك، إلا أن تلك التجربة مثلت بالنسبة للابن كابوسا عميقا حيث وعاها، وهو طفل، وعاش رعب الإحساس بفقد الأب المهدد بالموت في كل لحظة، ولم يستطع أن يتخلص من ذلك الجرح العميق إلا بكتابة تلك الرواية .
وأضاف د . السامرائي: أن الكاتب اهتم في روايته بالتفاصيل الدقيقة التي يحياها السجين، والتي تحمل في كل جزئية منها وجها من أوجه العذاب الذي يعيشه، كرائحة الجلد المتعفن، وطعم الأرز الفاسد عند الإفطار، والزنزانة الضيقة، والإحساس بالوحل .
أشار د . السامرائي إلى الطفولة التي عاشها مؤلف الرواية الذي كان والده أستاذ مدرسة ابتدائية، ترعرع في فقر مدقع، وهو الوحيد الذي وصل إلى المدرسة الثانوية، أحب الوالد الشعر وحفظ كثيراً من أشعار شيلي وبيرون وكيبلينغ، وذلك أثر في فلانغان، الذي اصبح بدوره محبا للشعر، ومفتونا به، وهذا ما جعل رواية "الطريق الضيق نحو الشمال العميق" مملوءة بالشعر، حتى إن عنوان الرواية بحسب ما يؤكد مؤلفها يستوحي عنوان أشهر كتب الشاعر الياباني ماتاسوا باشو من القرن السابع عشر، لكنها تروي في الصميم، حكاية واحدة من أسوأ الأحداث في التاريخ الياباني، وهي بناء سكة حديد تايلند بورما عام 1943 المعروفة باسم "خط الموت" من قبل أسرى المعتقلات اليابانية، الذي كان والد فلاناغان أحد الناجين منها .
والرواية كما يصفها د . السامرائي تتحدث عن (ثيمة الحب والحرب) كما أن ارتباط بطلها "الطبيب" بقصة حب مع زوجة عمه، يشير إلى القضية الفلسفية في هذا العمل، التي تسلط الضوء على فكرة انحدار القيم والأخلاق في إشارة إلى أزمة البطل وقصة علاقة الحب بينه وبين زوجة عمه .
وأشار المحاضر إلى تقنية الرواية التي تقوم على تيار الوعي، وهي التقنية الشائعة على مستوى الأعمال الأدبية العالمية، هذا التيار الذي شكل في ميدان الرواية الحديثة ثورة على الشكل التقليدي المعتاد للرواية، وهو الأسلوب الذي يتأرجح بين الوضوح والغموض، وسبق استخدامه من قبل روائيين كثر منهم جيمس جويس، معتبراً أن هذه التقنية ليست ملكاً لأحد .
وفلاناغان الذي فاز بجوائز عدة في أستراليا، يفاجئ القراء عندما يكشف عن أنه فكر جدياً في العمل في مناجم أستراليا الشمالية الغربية، ليدفع فواتيره إلى حين الانتهاء من روايته الأخيرة . يقول: "أنا روائي ناجح، وكنت محظوظاً بالتالي، لا أرغب في أن أكون كثير التذمر بشأن المال، لكن الكتابة لم تكن سهلة إطلاقاً، انظر إلى تاريخ الأدب، وستجد تاريخاً من الجمال من جهة، وتاريخاً من دفعات الديون من جهة أخرى" .
يرد في السيرة الشخصية لريتشارد فلاناغان أنه ترك المدرسة، وكان في السادسة عشرة من عمره، وعاد للدراسة بعدها في جامعة تسمانيا، حيث تخرج بشهادة بكالوريوس في الفنون على لائحة الشرف، ثم توجه إلى أكسفورد بمنحة دراسات عليا لطالب أجنبي، فحصل على شهادة ماجستير بالتاريخ، وألف أربعة كتب توثيقية قبل أن ينطلق إلى التفرغ للكتابة كروائي منذ 21 عاماً، وقد وصفته مجلة "إيكونوميست" بأنه يعد من أفضل أدباء أستراليا ضمن جيله، وقد فاز بجائزة كتاب الكومنولث، كما عمل مع مخرج الأفلام باز لهرمان، على سيناريو ملحمته "أستراليا"، وفاز بجوائز أدبية مهمة في أستراليا، وكتب ست روايات حازت على إعجاب النقاد .