يعود الكاتب سلطان الحجار إلى «الهمس» من جديد، وذلك في كتابه «همسات رجل»، الذي يعد الجزء الثاني من كتاب «همسات لها أجنحة». اعتمد الحجار في «همسات رجل» الصادر عن دار الدوحة للنشر والتوزيع، بالبحث في أعماق النفس، بتكثيف شديد وفلسفة عبر حكم باعثة على التأمل، ومقولات طريفة تشف عن رؤية ساخرة للعلاقات الإنسانية بين البشر، في إيقاع متسارع ينم عن مهارة الكاتب وقدرته على سبر أغوار الضمير الحي في عصر التحولات. ويقدم الحجار في كتابه الجديد نماذج ثرية تضج بالرمزية، إذ يقول في الصفحة الأولى من الكتاب «هناك رجال يدمنون الفشل، وإذا نجحوا يدمنون الظلم»، ثم ينتقل إلى عبارة أخرى وهي «عندما يتخذ الرجل قراراً بالانتقام يكون في قمة ضعفه». ويفلسف الحياة بعبارة مراوغة: «كل إنسان يخشى الموت عليه أن يخشى الحياة أيضاً». في تكوينات إبداعية لا يمكن النظر إليها بصيغها المباشرة، وإنما بالوقوف عند الدلالات، ومحاولة التعمق في كلماتها المجازية التي تخضع للتأويل لأنها تسير في اتجاه الأمثولة. اللافت في هذا الكتاب أن مؤلفه يعطي صورة صادقة عن معاناته مع الكلمة التي ربما اقتنصها أثناء وجوده في أحد الشوارع الخالية من الناس في ساعات متأخرة من الليل، لمنح القارئ ضوءاً آخر ينفذ به إلى الحياة في لحظات الضيق والفرح معاً. وفي الجزء الأخير من الكتاب يكشف الحجار عن شاعرية خصبة عبر مجموعة من الأشعار التي حملت عنوان «مشاهد وليست قصائد»، ويقول في المشهد الأول منها: «من قلب اليأس يولد ولد.. أتى من بلاد العوز.. يعيش من دون رأس.. ويتغذى على فضلات الفقر.. ليشبّ رجلاً يحمل فوق كتفيه عذابات الهجر». وتتوالى بعد ذلك المشاهد التي يفرغ فيها الشاعر حالاته الوجدانية في نسق متفاوت ما بين اللهجة الفصيحة والعامية، وهو بذلك يمارس أنماطاً مختلفة من الأدب في توازن يصور حالاته النفسية خارج نطاق النمطية، ليكون بذلك أكثر شمولية في رصد الحياة، ثم اقتناص اللحظة الإبداعية بحس مرهف وشاعرية عميقة.