"سهراية الليل"

ترتفع فى مصر كل يوم جرائم زنا المحارم التى باتت خطرًا يؤرق المجتمع، ويهدد آمنه، وسلامة أبناءه، وبرغم محاولات مؤسسات المجتمع المدنى لمواجهة هذا الخطر، والحد منه عن طريق التوعية، ومساندة الضحايا، ومعاقبة الجناة، إلا أنه يستمر فى التزايد والانتشار، وهو الأمر الذى ينبأ بكارثة حقيقية إذ ينتج عنه أطفالا غير قادرين على ممارسة الحياة بشكل طبيعى.

وفى وقت سابق كان الجهر بوقوع هذه الجرائم فى المجتمع، وتناولها عبر وسائل الإعلام أمرًا مخيفًا، وكان جهر الضحايا بهذه الجرائم التى تقع فى حقهم أمرًا معيبًا، إلا أن الإبداع والحكايات الشعبية لم تكترث لهذا، وجهرت بالنزعات والرغبات المكبوتة، وضربت عرض الحائط بالخوف والخجل، إذ هتكت الحكايات الشعبية أستار المجتمع المغلق ومزقتها تمامًا، فتجاوزت حدود التابوهات، فنجد حكايات شعبية منتشرة فى الأقاليم تتصدى لزنا المحارم، وتخوض فيه غير مهتمة للقوانين المجتمعية الصارمة، ونذكر منها حكاية عن بنت صغيرة أراد أبوها معاشرتها، فاختبأت منه أعلى النخلة، وكلما أرادت النزول قالت:"يانخلة اقصرى..حتى تبقى زى صابعى الخنصرى"، فتقصر النخلة، وتنزل البنت، وإذا أرادت الاختباء من أبيها مرة أخرى، اعتلت النخلة ثانية فتكبر النخلة فى اللحظة، وفى النهاية يموت أبيها محروقًا، وهى حكايات يتداولها الناس فى القرى والنجوع، كمواجهة لهذا الخطر المتزايد، وتوعية للبنات الصغار بوحشية هذه الجريمة.

هذا ما يؤكده الكاتب فارس خضر فى كتابه "سهراية الليل..مائة حكاية شعبية من واحة الداخلة" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويؤكد أيضًا أن المبدع الشعبى، قرر أن يقيم بمخيلته عالمًا عادلاً ليعوضه عن الظلم والقهر والمعاناة التى يلاقيها فى واقعه المعيش، فيحقق العدل المفتقد فنيًا عبر هذا الموروث الحكائى الزاخر، الطيبون فيه يحصلون على يستحقونه من المتع والأشرار يعاقبون على جرائمهم، فرأينا كيف كان جزاء هذا الأب هو الحرق.