الضريبة التصاعدية بين العدالة والجباية

الضريبة التصاعدية بين العدالة والجباية

الضريبة التصاعدية بين العدالة والجباية

 صوت الإمارات -

الضريبة التصاعدية بين العدالة والجباية

بقلم : هاني أبو الفتوح

أولاً وقبل الولوج في الموضوع، أود الإشارة الى أن الغرض الرئيسي من الضرائب هو توفير الإيرادات اللازمة لتغطية نفقات المرافق الأساسية للدولة كمرافق القضاء والأمن والجيش والتعليم والصحة. وقد أبرز المفكر الاقتصادي جون ماير كنز رأي أخر حيث أضاف أن الدولة الحديثة تستطيع أن تستخدم الضريبة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية ولا تقتصر فقط على الأهداف المالية.

يُقصد بالوظيفة المالية للضريبة أنها تشكل إيرادا للخزينة العامة، وتستخدم لتغطية النفقات العامة. أما الوظيفة الاقتصادية فهي اداة من الأدوات التي تمتلكها الدولة للتأثير على الاقتصاد بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق معدلات مرتفعة من النمو. بينما الوظيفة الاجتماعية تعني تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وإعادة توزيع الدخل بين طبقات المجتمع.

 هناك عدة أنواع من الضريبة، وتختلف هذه الأنواع وطرق احتساب الضريبة وفقاً للتقسيمات المختلفة. فهناك الضريبة الثابتة Flat Tax  وهي ضريبة تُفرض بنسبة ثابتة على وعاء الضريبة، فمهما تغير وعاء الضريبة تظل هي ثابتة، مما يعني أن مقدار الضريبة المستحقة على الشخص في ظل هذا الأسلوب تزداد بمعدل ثابت تبعاً لزيادة الدخل. أما الضريبة التصاعدية Progressive Tax   فهي تعني أنه كلما زاد إجمالي دخل الفرد ترتفع نسبة الضريبة والشريحة التي تؤدى عنها الضريبة والعكس صحيح.
 
وبالرجوع الى الدستور المصري نجد أنه ينص على مراعاة أن يكون فرض الضرائب متعددة المصادر، وتكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقاً لقدراتهم التكليفية، ويكفل النظام الضريبي تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة، وتحفيز دورها في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
 
تطبق الضريبة التصاعدية في العديد من الدول ذات النظام الرأسمالي. فعلى سبيل المثال، يعتبر نظام ضريبة الدخل الأمريكي نظام تصاعدي. وفي عام 2016، سدد الأفراد الذين يقل دخلهم الخاضع للضريبة عن الدخل الخاضع للضريبة، وهو 9275 دولار، % كضريبة دخل، في حين خضع دافعو الضرائب الذين يزيد دخلهم عن الحد البالغ 415،050 دولار إلى شرائح ضريبية بمعدلات تصل إلى  39،6%.

 دعونا نستعرض مزايا وسلبيات الضريبة التصاعدية:

 في جانب المزايا، تقلل النظم الضريبية التصاعدية من الأعباء الضريبية على الأشخاص المكلفين، وتتيح لهم إمكانية الاحتفاظ بمزيد من الأموال لذوي الأجور المنخفضة، الذين يُحتمل أن ينفقوا كل أموالهم ويحفزوا الاقتصاد. كما أن النظم الضريبية التصاعدية لديها القدرة على تحصيل ضرائب أكثر من الضرائب الثابتة أو الضرائب التنازلية، حيث ترتبط نسبة الضريبة طردياً مع زيادة الدخل. ومن ثم يؤدي هذا النظام إلى زيادة الضغوط على الأشخاص الأكثر قدرة وثراء في حين يضع ضغطاً أقل على الأشخاص الأقل قدرة وخصوصاً من الطبقية الوسطى وما دونها.
 
ميزة أخرى لهذا النظام وهو أنه يعطي الشعور بالارتياح لعامة المواطنين لأن هناك شعور بتوزيع مناسب للضرائب حيث أن الممولين الأكثر دخلا يدفعون ضرائب أعلى في حين الأقل دخلا يدفعون ضرائب أقل مما يساعد على الحد من التفاوت في الدخل بين الأغنياء والفقراء.

 ويرى المؤيدين للضريبة التصاعدية أنها تحقق العدالة الاجتماعية والسلم الاجتماعي حيث تتبلور فكرة الضريبة كشكل من أشكال إعادة توزيع الدخل القومي، كما حبذها الاقتصادي الإنجليزي الشهير "جون ماينارد كينز". فهو يرى جدوى الضرائب التصاعدية المصحوبة بإجراءات إعادة التوزيع، وذلك من خلال توجيه حصيلتها إلى الإنفاق العام عن طريق تقديم الدعم النقدي أو العيني لمحدودي الدخل والإعانات للعاطلين عن العمل والتأمينات الصحية والاجتماعية للمواطنين، وكذلك من خلال الانفاق على الخدمات العامة كالتعليم والصحة والإسكان الاقتصادي وغيرها، الأمر الذي يساعد على إعادة توزيع الدخل والتخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية.

 
ويعتبر منتقدو الضرائب التصاعدية أنها تفرض تمييزاً ضد الأثرياء أو أصحاب الدخل المرتفع. فهي تعاقب أولئك الذين يعملون بجد من أجل كسب المال، وبالتالي سوف تثنيهم عن العمل الجاد لأنه لا يوجد حافز لديهم للعمل بجد بسبب أن الدخل الأعلى سوف يخضع لمعدل ضريبة أعلى، وسوف يتوقف الشخص عن العمل بعد كسب ما يكفي من المال.
 
 فبينما الضريبة التصاعدية هي وسيلة فعالة لإعادة توزيع الدخل، استناداً إلى أن معظم الضرائب تستخدم لتمويل برامج الرعاية الاجتماعية، إلا أن الشكوك ربما تحوم حول استخدامها حيث أن جزءا صغيرا فقط من الإنفاق الحكومي قد يتم توجيهه للإنفاق على الرعاية الاجتماعية.
 
وثمة قيد آخر هو أنه سيكون هناك المزيد من حالات التهرب الضريبي حيث يشعر الأغنياء بأنهم يتعرضون للاستغلال، وسيحاولون استخدام كل السبل الممكنة للتأكد من أنهم يدفعون ضرائب أقل، وبالتالي في إطار هذا النظام قد ترتفع حالات التهرب الضريبي. كما يُخشى من أن المصانع والشركات سوف ترفع أسعارها على المنتجات والسلع وسوف يؤدى ذلك الى تحميل المواطن بزيادة الأسعار.

 وفي ظل مناخ تشجيع الاستثمار ومنح حوافز للمستثمرين، يرى المعارضون أن الضريبة التصاعدية سوف تضر بالاستثمار ضرراً شديداً وخصوصاً أن دول أخرى في الشرق الأوسط تمنح المستثمرين إعفاء ضريبي، كما أن المستثمر قد خطط للإستثمار في ظل نظام ضريبي محدد وأي تعديلات على النظام لها تكاليف مالية غير محسوبة سوف تضر بالمستثمر ومناخ الاستثمار بشكل عام. ونتيجة لذلك سوف تقل فرص العمل ويترفع مستوى البطالة.

 في الختام، أرى أن تطبيق الضريبة التصاعدية يحقق منافع كبرى. من ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل وجهة النظر المعارضة لأنها تستحق الدراسة وتعبر عن مخاوف حقيقية بشأن السلبيات والتداعيات التي يمكن أن تنجم عن تطبيق الضريبة التصاعدية. وعلى كل حال، يجب أن تطرح مناقشة التعديلات على النظام الضريبي للبحث والمناقشة بين المتخصصين وجمعيات رجال الأعمال والمستثمرين والغرف التجارية وكافة أصحاب المصالح من أجل الوصول الى صيغة تراعي مصلحة الوطن أولا ومصالح الأطراف الأخرى ذوي العلاقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الضريبة التصاعدية بين العدالة والجباية الضريبة التصاعدية بين العدالة والجباية



GMT 23:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

خطة الحكومة في هيكلة قطاع الأعمال العام

GMT 19:31 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

استراتيجيات تخفيف الفساد

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

أبوظبي ـ صوت الإمارات
تأثير الملكة رانيا على عالم الموضة لا يقتصر على إطلالاتها الحالية فقط، بل يمتد أيضاً إلى قدرتها على إعادة إحياء الأزياء التي ارتدتها في وقت سابق، فتصرفها الأخير في إعادة ارتداء ثوب بعد تسع سنوات يبرز تميزها وأناقتها ويعكس روحاً من الثقة والتطور في أسلوبها. في عالم الموضة، يُعَد إعادة ارتداء الأزياء من قبل الشخصيات البارزة موضوعاً مثيراً للاهتمام، تجسّدت هذه الظاهرة بشكل ملموس في اللحظة التي ارتدت فيها الملكة رانيا، زوجة الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، ثوباً تقليدياً أنيقاً بعد مرور تسع سنوات على آخر مرة ارتدته فيه، يُظهر هذا الحدث الفريد ليس فقط ذكريات الماضي وتطور الأزياء ولكن أيضاً يبرز الأناقة والرؤية الاستدامة في عالم الموضة. فستان الملكة رانيا تظهر به مرة أخرى بعد تسع سنوات  الملكة زانيا في أحدث ظهور لها تألقت �...المزيد

GMT 04:05 2024 السبت ,17 شباط / فبراير

أسعار النفط تتأرجح وسط توقعات بتراجع الطلب

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 18:57 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 19:31 2019 الثلاثاء ,19 شباط / فبراير

قائد القوات البرية يستقبل عدداً من ضيوف «آيدكس»

GMT 20:22 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

خبراء إكسبو يعزز دخول شركات البناء العالمية في الإمارات

GMT 13:51 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالة مثيرة لريهانا خلال مباراة يوفنتوس ضد أتلتيكو مدريد

GMT 13:35 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

" F D A " تفرض قيودًا على بيع السجائر الإلكترونية

GMT 19:39 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة الباحة تعلن فتح التسجيل ببرامج الدبلومات المصنفة

GMT 18:29 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

خطوات بسيطة تمكّنك من تحويل الأثاث القديم إلى "مودرن"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates