عقاب جماعي لن تبرره أسباب

عقاب جماعي لن تبرره أسباب

عقاب جماعي لن تبرره أسباب

 صوت الإمارات -

عقاب جماعي لن تبرره أسباب

بقلم - بكر عويضة

 

بدءاً، ليس ثمة أسباب تجيز إنزال عقاب جماعي بأي شعب، من أي الأجناس كان، أو الأصول. إنسانياً، يتفق حكماء البشر، على مبدأ عقلاني يقول إن معاقبة الناس كلهم بجريرة أخطاء نفر منهم، فيها تجاوزٌ لكل منطق يحكِم العقل، وليس الأهواء، قبل الإقدام على اتخاذ قرارات ستكون لها عواقب بعيدة المدى. منطقياً، يجوز افتراض أن نادي أولئك الحكماء سوف يضم أيضاً عقلاء أقوام تستعر العداوة بينهم منذ سحيق الأزمان، حتى إنهم يبدون في نظر معظم سكان كوكب الأرض، أشد الخصوم عداءً لبعضهم بعضاً، وأسرعهم احتكاماً للسلاح، إذا انفجر فجأة قيح دمل نائم تحت مسام قيادات لهم، تعشق الحروب قدر ما تكره فتح الأعين على نور سلام يستند إلى أساس جُبِل من صفاء النيات، فحقق أمان النفوس، واطمئنان القلوب. هكذا بدا حال قيادات الغلو السياسي، والتطرف الديني، على جانبي الحروب الفلسطينية - الإسرائيلية، منذ اندلاع أولها قبل أكثر من سبعة عقود، وطوال قرون سبقتها، وهكذا يبدو الوضع اليوم، بعد ما يفوق مائة يوم من ويلات الحرب الحالية.

ومع أن مسار حرب انتقام آلة الحرب إسرائيل الباطشة، من هجوم «كتائب القسام»، المُسمى «طوفان الأقصى»، بدا لكل ذي عينين غير مغمضتين، منذ بدأ، شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، الذي سرعان ما طفق يتخذ شكل إبادة جماعية موجهة ضد شعب قطاع غزة بأكمله، فإن الموقف المُتخَذ بتسرّع من قِبل عدد من أهل الحكم، وصناع القرار في الغرب إزاء وقف تمويل «الأونروا»، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، يشكل كذلك، وعلى نحو صارخ، نوعاً من العقاب الجماعي الموجه ضد جموع غفيرة من بشر معتمدين كلياً على مساعدات الوكالة لهم في حياتهم اليومية. إذا لم تسارع حكومات الدول التي اتخذت هذا الإجراء الظالم إلى التراجع عنه، فسوف يدخل سجلات التاريخ كوصمة عار لحقت بحكومات تُسيّر شؤون مجتمعات تزعم أنها إنسانية التوجهات، وديمقراطية السياسات، لكنها عند المحك لم تبحث جيداً في تأثير قرارها على بسطاء الناس والمعوزين، بل انصاعت لما وُضع أمامها من مزاعم.

ضمن السياق نفسه، بافتراض صدق تورط عدد من موظفي وكالة «الأونروا»، في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفق ادعاء إسرائيل، هل يكون الرد هو شل الوكالة تماماً عن العمل؟ ألا يشكل إجراء طرد أولئك المتورطين، وفصلهم من الوكالة، إضافة إلى تعهد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، يوم الأحد الماضي، بمحاسبة «أي موظف في المنظمة الدولية ضالع في أعمال إرهابية»، العقاب الكافي رداً على هكذا تورط؟ واضح أن الإجابة هي كلا، كما اتضح من مواقف الدول التي سارعت إلى تجميد دعم الوكالة، فإرضاء إسرائيل، بصرف النظر عن الحق والباطل، يبدو أحد الشروط الأساسية لضمان نجاح أداء الساسة الكبار في سنة انتخابات رئاسية في أميركا، وبرلمانية في بريطانيا. إنما، في الآن نفسه، إن صح فعلاً وجود ضلوع كهذا من جانب عاملين في «الأونروا» من أهل قطاع غزة، فإن محاسبتهم واجبة فلسطينياً كذلك، فقد أقدموا على ما حسبوا أنهم يحسنون به صُنعاً، ولم يُقدروا خطورة عواقبه، ليس عليهم فقط، بل على مجمل شعبهم.

يبقى القول إن حالات العقاب الجماعي لم تقتصر خلال الخمسين عاماً الماضية على الفلسطينيين وحدهم، فقد عانى ويلاتها العراقيون، وتحمّل نتائجها الليبيون، وسدد فواتيرها الباهظة السوريون، وكذلك السودانيون. من الضروري كذلك تقدير مواقف كل الحكومات التي سارعت إلى تأكيد استمرار دعمها وكالة «الأونروا». ذلك هو الموقف الصواب، الذي يتجنب معاقبة شعب بجريرة بضعة أفراد، فالعقاب الجماعي لن تبرره الأسباب، حتى لو بدت صائبة،في حسابات زاعميها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقاب جماعي لن تبرره أسباب عقاب جماعي لن تبرره أسباب



GMT 16:55 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الحلّاق الإيراني ورقبة السلطان

GMT 16:53 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

«عاشوراء» إيرانية في سماء إسرائيل

GMT 16:51 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

تواصل جاهلي

GMT 16:48 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

GMT 16:43 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

معركة الاتحاد غير العادلة

GMT 11:47 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 18:20 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة مؤلف كتب "حصن المسلم" عن عمر يناهز 67 عامًا

GMT 07:14 2013 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

كيري يعود إلى الشرق الأوسط لدفع محادثات السلام

GMT 21:18 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عائلة تركية تتجول بين 26 دولة حول العالم بالدراجة الهوائية

GMT 03:08 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وكيل وزارة الدفاع يستقبل مساعد وزير الدفاع الباكستاني

GMT 05:57 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

عبدالله مال الله يكشف أصعب لحظاته في الملاعب

GMT 18:50 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

"سانغ يونغ" تبدأ باختبار سيارات "Korando"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates