احتفاء غربي بأبرز متمردات الشرق

احتفاء غربي بأبرز متمردات الشرق

احتفاء غربي بأبرز متمردات الشرق

 صوت الإمارات -

احتفاء غربي بأبرز متمردات الشرق

عمار علي حسن
بقلم - عمار علي حسن

لا يمنع أيُّ شيء الكاتبة والروائية والطبيبة نوال السعداوي من أن تقول ما تؤمن به وتفكر فيه، غير عابئة بما إذا كان سيغضب كثيرين ممن يتابعونها بتحفز أو تربص أو رغبة في الرد عليها، وتفنيد ما تقول، أو حتى عموم الناس ممن اعتادوا تفكيرا وطقوسا محددة بعيدة كل البعد عما تريده هي وتملأ به الفضاء الاجتماعي والإعلامي، بقدر ما يتاح لصوتها أن يخرج، فيجد خصومها فيما تقول وتكتب فرصة سانحة كي يؤلبوا عليها عوام الناس، أو أولئك "المتعلمين الأميين" حسب تعبيرها هي، ليرموها بالمروق والفسوق والتمرد والخروج على قيم مجتمعها، والإخلاص لقاعدة "خالف تعرف" وفعل أي شيء من أجل لفت انتباه الغرب، وهو اتهام زاد بعد أن ظهر اسم السعداوي من بين المرشحين لجائزة نوبل في دورتها قبل الأخيرة.

في الحقيقة ليس الأمر على هذا النحو؛ لأن نوال السعداوي، التي تحمل على ظهرها أربعين كتابا أكثر من نصفها عبارة عن روايات ومجموعات قصصية ومسرحيات ومذكرات، لديها ما تقوله، حتى لو كان هناك من يختلفون معه، ويقدحون فيه، وهو حق مكفول شرط ألا يدعو المختلفون إلى اغتيال معنوي أو حتى جسدي للسعداوي، التي يظل ما يصدر عنها من أقوال وأفعال يعاني من إغفال وإهمال، بل تعتيم، في بلادنا، بينما هناك في الغرب من يتابعها، وينظر إليها باعتبارها واحدة ممن يناضلون من أجل تحرير المرأة العربية من كل ما يعيق مساواتها بالرجل، وكذلك إسقاط كل حضور لـ"الأبوية" في حياتنا، ومواجهة أي عناصر مادية أو رمزية للتسلط، ويرى أن كل هذا حاضر ليس فقط في مقالاتها ودراساتها ومحاضراتها وحواراتها الصحفية والمتلفزة، بل أيضا في ثنايا نصها السردي، الذي يدور حول تلك الأفكار، أو هذه المعاني، وينجذب إليها بلا تردد.

وكانت ذروة الاهتمام الغربي بالسعداوي هي أيام استضافتها ضمن برنامج "الزيارة السنوية لمشاهير أفريقيا" الذي يشرف عليه قسم الدراسات الأفريقية بجامعة ميتشجان فلينت الأمريكية، ويتم خلاله اختيار أحد أعمال الضيف لتكون محل دراسة متعمقة بالمنطقة التعليمية التي تقع الجامعة في نطاقها وبها أكثر من 84 ألف طالب حتى الصف الثاني عشر.

وقد بدأ هذا البرنامج باستضافة النيجيري الحاصل على نوبل في الآداب وول سونيكا، والكيني نيجونو ثيونجو المرشح الدائم لنوبل في السنوات الأخيرة وغيرهما من كبار الأدباء والكتاب. وكانت حصيلة زيارة السعداوي تقديم عدة دراسات وبحوث معمقة عن كتبها ورواياتها وقصصها ومسرحياتها وشخصيتها ومسارها إلى جانب حوارات معها وببلوجرافيا لها، ليصدر هذا في كتاب حرره إرنست إيمنيويو، الناقد وأستاذ الأدب الأفريقي في الجامعة المشار إليها سلفا، ومورين إيك، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة سنترال ميتشجان، وترجمته القديرة سها السباعي، وهي أيضا كاتبة وعضو تحرير مجلة توليبس الأمريكية لترجمة النصوص الأدبية من العربية إلى لغات عدة، ليصدر في القاهرة مؤخرا عن "المركز القومي للترجمة" تحت عنوان "قراءات في أعمال نوال السعداوي"، وهي لعدد من علماء اللغة والنقاد وأساتذة الأدب الإنجليزي والمسرح ومختصين في تاريخ الفن والدراسات الأفريقية والنسوية.

ويحوي الكتاب الذي بدا كأنطولوجيا كاملة عن الكاتبة تسع عشرة دراسة حول تصدي السعداوي للمزاعم الدينية، وتحطيم بعض المعتقدات الخاطئة، ومحاولتها المستمرة لكشف الحجاب عن العقل، ووقوفها في وجه الطغيان الذكوري في المجتمع والتاريخ والرمز، ومحاربتها لقضية "ختان البنات" سواء في مقالاتها ودراساتها وشهادتها وأعمالها السردية، وتجربتها المؤلمة في سجن النساء، وانتصارها للمرأة العربية في مجال التعليم والعمل والحقوق الاجتماعية والأوضاع الإنسانية، ومقاومتها ما يسمى "الاستعباد الجنسي" و"سياسات الجنوسة"، وضرورة التمسك بحق المساواة، ولسوء استغلال السلطة الذي قاد إلى الاستبداد والفساد، واصطفافها في المعركة ضد التطرف الديني، والتصورات الفقهية المغلقة والجامدة المكبلة الحرية والعقل، وتأثير العولمة والتوحش الرأسمالي على وضع الإنسان عموما، والنساء على وجه الخصوص. ويشمل الكتاب أيضا شهادة من الشاعر والكاتبة منى حلمي، ابنة نوال السعداوي، عن أمها، وحوارين معمقين معها، إلى جانب سيرة ذاتية وافية.

تبدو السعداوي في نظر من درسوا أعمالها ليست المرأة القوية التي يقتصر دورها على رد الفعل القوي والبعيد لفعل قوي وبعيد فى الاتجاه الآخر، إنما هي صوت أصيل نازع إلى التحرر والتمرد، وعقل رافض للمنتج المعرفي والتعليمي المعلب الذي يسيطر على أذهان أغلب الناس، ما يجعلهم ليس فقط رافضين لها، إنما غير مستعدين للإنصات إليها، علاوة على نقاد تتهمهم بتجاهلها عمدا لأنهم لا يأخذون إنتاجها الروائي والقصصي على محمل الجد، أو يرمونها بالسعي الدائم والدائب إلى أن تظل في دائرة الضوء بأي شكل، وهو حكم على نواياها لا يصدر عن مثقفين، أو هم ينظرون إلى نصوصها السردية على أنها مشبعة بالأفكار المجردة، والرؤى السياسية الواضحة والفاضحة، وهي مسألة ترد عليها السعداوي بقولها: "السياسة كامنة في كل شيء، حتى في المطبخ".

وبين الكتاب أن غلبة التقاليد المعوقة، وانتشار التطرف الديني، وغياب التفكير العلمي، ساهمت في ذهاب السعداوي إلى الاتجاه المضاد بنفس الدرجة من العمق والاتساع، الأمر الذي يجعل آراءها متبلورة على هذا النحو الصادم للبعض، خاصة الذين يتهمونها بمعاداة الإسلام، مع أنها تقول بوضوح: "لقد تربيت على الإيمان بالمبادئ الأساسية للإسلام، كان الإسلام لي دائما الإيمان بالله، وروح العدل، والحرية، والحب".

ويعطينا الكتاب درسا بليغا عن ضرورة التعامل مع آراء السعداوي، حتى لو بلغت حدتها الآفاق، ومهما رآها بعض المحافظين خروجا على الدين أو العادات والتقاليد، بروية وحكمة، دون قمعها أو تكفيرها أو حجب ما تقول بزعم أنه هراء أو خطر، إنما بمناقشتها والنظر إلى الدوافع التي جعلتها ترى ما تراه، ولا سيما أنها تتلاقى وتتقاطع مع كثير من الآراء التي يطرحها المستنيرون دينيا، ودعاة الإصلاح والتجديد، والمطالبون باحترام العقل والإرادة الإنسانية وحق التفكير والتعبير والتدبير.

وبدا لمؤلفي الكتاب- وجميعهم من المتحمسين لأفكار السعداوي- أن المجتمعات تحتاج دوما إلى من يضع كل ما يتم تداوله من أفكار وما يتم فعله من طقوس تحت طائلة المساءلة، وهذا ما تفعله السعداوي بقوة وجرأة، غير هيابة ولا مترددة، وهو ما عبر عنه محرر الكتاب قائلا عن لقائه بها: "منحتني السعداوي فرصة أحسد عليها للتعرف من كثب بشخصية، ربما لا تكون فقط أكثر المؤلفات النسويات جرأة ومعارضة في العالم بشكل يتعذر معه كبح جماحها، ولكنها أيضا شخصية ساحرة بشكل مذهل، وشديدة التمسك بالمبادئ، شخصية تدافع للنهاية عما تعتبره الحق والعدل والجمال، مهما كانت الصعاب والمخاطر التي قد تتعرض لها حياتها وأمنها الشخصي".

إن هذا الكتاب- فضلا عن تشريحه نوال السعداوي من أوجهها كافة- يقدم نموذجا في النقد الثقافي الذي يتجاوز النظرة الضيقة والجزئية والسطحية والعابرة للنص التي تكتفي بعرضه أو تلخيصه ثم تفسيره من جانب واحد، إلى الوصول إلى أعماقه البعيدة، لمعرفة القيم الكامنة فيه، والسياقات التي أحاطت به، والأساليب والتقنيات السردية التي صُنع بها، وتفاعلاته مع مختلف المعارف، بما جعله في خاتمة المطاف "دليلا في أيدي الباحثين المهتمين بالدراسات الأدبية، ودراسات المرأة والهوية والجنسية ودورها الاجتماعي".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احتفاء غربي بأبرز متمردات الشرق احتفاء غربي بأبرز متمردات الشرق



GMT 00:45 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

«حماس» وإيران وثمار حرب غزّة!

GMT 00:44 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

ما بعد التعويم ؟!

GMT 00:42 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

مستعربون عاربون وعاربات مستعربات

GMT 00:41 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

بوتين... تفويض باستكمال الطوفان

GMT 00:38 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

المتنبّي في الجوف السعودية!

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

لندن - صوت الإمارات
لطالما عودتنا الملكة رانيا على إطلالاتها الأنيقة بستايلات مختلفة وفق المناسبة التي تحضرها. وفي أحدث لقاء تلفزيوني لها، اتجهت الى التألق بطقم أنيق بين اللمسات الكلاسيكية والعصرية، بنمط شبابي ايضا، وهو نمط اتبعته في العديد من اللقاءات الحوارية التي ظهرت بها على شاشات التلفزة. نرصد لكم هذه الإطلالات لتستلهموا منها أسلوبها الملهم. اتجهت الأنظار نحو الملكة الأردنية رانيا في لقائها التلفزيوني مع الإعلامية الأمريكية جوي ريد في برنامجها التلفزيوني ذا ريدآوت. وتألقت الملكة في اللقاء بطقم حيادي باللون الاسود بتصميم عصري ومريح يناسب اللقاءات الحوارية. تألف من سروال أسود واسع مع الزمزمات عند الخصر، والخصر العالي المزين باثنين من الأزرار البيضاء العريضة، وهو من توقيع " louisvuitton"، اما التوب فجاءت بنمط المعطف القصير والكروب توب م�...المزيد

GMT 19:36 2013 الجمعة ,27 أيلول / سبتمبر

الطاقة المتجددة ترفع الآمال بتحقيق عوائد

GMT 20:07 2015 الأربعاء ,19 آب / أغسطس

تتويج فرح يوسف ملكة جمال سورية في أميركا

GMT 18:11 2012 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

"الفن أسيرا للأزمنة"معرض لأعمال تشكيلية

GMT 05:13 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

بعد الفوز على الكونغو بهدفين أحرزهما النجم محمد صلاح

GMT 01:07 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

هاتف A91 من Oppo بمواصفات متطورة وسعر منافس

GMT 01:32 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بول بوجبا يخضع لجراحة ويغيب عن مانشستر لمدة شهر

GMT 14:14 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

النشاط البدنى لكبار السن يحميهم من أمراض القلب

GMT 01:54 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على سعر الدرهم الاماراتى مقابل الجنيه استرليني الأحد

GMT 12:44 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

كيم كارداشيان ترتدي التصاميم الأقرب إلى قلبها

GMT 01:09 2019 الإثنين ,25 آذار/ مارس

طريقة سهلة لتحضير الدجاج مع صلصة البرتقال

GMT 17:11 2018 الأحد ,09 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن راشد يعزّي في وفاة محمد بن أحمد الحبتور

GMT 21:35 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مصر في مباحثات مع بنك أبوظبي الأول بشأن برامج تحوط
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates