على انتفاضة لبنان وعي جوهر الأزمة

على انتفاضة لبنان وعي جوهر الأزمة

على انتفاضة لبنان وعي جوهر الأزمة

 صوت الإمارات -

على انتفاضة لبنان وعي جوهر الأزمة

بقلم : إياد أبو شقرا

 دخلت الانتفاضة الشعبية في لبنان أسبوعها الثاني، وتميّزت ببضع حقائق تستحق التوقف عندها:
الحقيقة الأولى، أن الانتفاضة لم تفرز حتى اللحظة قيادات واضحة المعالم، وإن كانت مطالبها غدت كذلك. ولعل غياب القيادة العلنية فيه جوانب إيجابية وجوانب سلبية في آن معاً.
والحقيقة الثانية، أنها استوجبت خطاباً ثانياً من حسن نصر الله، الأمين العام لـ«حزب الله» - الذي هو صاحب القرارين السياسي والعسكري الأساسيين في لبنان - انتقل فيه من التهديد الصريح إلى التخوين العلني والترويع المبطّن عبر «مناصريه» من ذوي «القمصان السود».
والحقيقة الثالثة، أن هذه الانتفاضة ما زالت فعلياً محرومة من أي تعاطف دولي يستحق الذكر، رغم اتهام نصر الله القيّمين عليها بتلقّي الدعم من السفارات؛ وهو اتهام ردّده إعلام «حزب الله» بالأمس، أيضاً، بحق الانتفاضة العراقية.
والحقيقة الرابعة، أن التيار الوطني الحرّ (التيار العوني)، الرديف والتابع المسيحي لـ«حزب الله»، تلقّف رسالة الحزب، وباشر التصدي للانتفاضة في المناطق المسيحية، دفاعاً عن مؤسّسه رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيسه جبران باسيل (رجل الحكومة القوي)!
والحقيقة الخامسة، أنه لأسباب مختلفة ما زال المنتفضون يفصلون بين ظاهرة الفساد ومنظومة «الدولة الأمنية العميقة» التي تحكّمت بمفاصل القرار في لبنان منذ أكثر من السنوات الـ30 التي يردّدها أبرياء الانتفاضة، و«الأقل براءة» فيها.
ولنبدأ بحث هذه المعالم أو الحقائق بشيء من التفصيل.
بخلاف كلام الأمين العام لـ«حزب الله»، فكون الانتفاضة - حتى اللحظة - بلا قيادات معروفة يؤكد أنها جاءت كردّة فعل على تراكم للمعاناة المعيشية التي تعاملت معها السلطات - ولا أقول الحكومة - بالتخدير والإلهاء والتضليل. وهذا أمرٌ بديهي عندما نعرف تركيبة السلطة في لبنان، وهشاشة هرمها، وانعدام التوافق حوله، ورضوخ معظم اللاعبين المحليين لواقع «احتلال» لديه جدول أعماله المحلي والإقليمي الخاص.
بالأمس، عندما نزلت «القمصان السود» مجدّداً إلى الساحات والشوارع، فإنها أكدّت حقيقة حاول اللبنانيون دائماً إنكارها. وراهناً، تتحرّك «الدولة الأمنية العميقة» ليس فقط عبر فتح الطرق عنوة، أو «إنقاذ» المنتفضين من اعتداءات «القمصان السود»، بل إنها نشطت منذ بعض الوقت عن طريق «تصنيع» رأي عام يركز على الفساد، وعلى فاسدين من لون واحد، منذ 30 سنة... فقط!
وواقع الأمر أن منظومة «الدولة الأمنية»، التي حكمت لبنان من خلف الستار منذ النصف الثاني من عقد السبعينات من القرن الماضي، في ظل الوجود الأمني السوري، رعت الفساد وحَمته لفائدة أصحابها، بالتوازي مع مخطّط إقليمي اتخذ شكله الحالي منذ الثورة الخمينية في إيران عام 1979.
ومن ثم، ما كانت هناك خيارات كثيرة عند ساسة لبنان، بل كان عليهم إما القبول بخوض «السوق» والبيع والشراء فيها، أو التعرّض للتصفية كما حدث لعدد منهم، أو الاضطرار للهجرة إلى المنافي. وبفضل ما للمنظومة من إمكانيات سُخّرت لها حتى مؤسّسات الدولة، أعدت الملفات القضائية، و«فُبرِكت» الزعامات، ورُوّض الإعلام، ورُتّبت أولويات الحُكم وأهله... بما يناسب أو ما يأمر به أولئك الذين اتخذوا قرار استتباع لبنان.
حتى بعض مَن ارتضوا التضحية، والمهادنة من أجل إنقاذ البلد، دفع في النهاية بدمه ثمناً للخروج من «السجن الكبير». ولعل اللبنانيين يذكرون جيداً الفضائح المرتبطة ببعض المصارف المتّهمة بتبييض الأموال، والصفقات والسمسرات والاحتكارات، وعمليات الابتزاز وفرض الخوّة المحميّة أمنياً عبر الحدود.
وبالتالي، اليوم، عندما يتناقل المنتفضون ببراءة بالغة «قوائم» بأسماء الفاسدين، وأرقام الثروات الخيالية التي يُقال إنهم جمعوها من دون وجه حق، فإنهم - للأسف - لا يتساءلون عن موثوقية المصادر، وهويّتها الحقيقية، وصحة أرقامها... وهذا مع أنه «لا دخان بلا نار»، كما يُقال!
أما على صعيد تُهم الخيانة والعمالة الجاهزة التي تطلقها السلطة الفعلية في لبنان «دفاعاً عن المقاومة»، فإنها - حتى بالنسبة للسذّج - لا تخلو من غرابة، إذ كيف يحق لمَن يعترف على رؤوس الأشهاد بتلقي المال والسلاح والدعم، ويجاهر باعتزاز بالتبعية الشرعية والسياسية لإيران، أن يوجّه سهام الاتهام للآخرين.
منذ 1979 حتى اللحظة، دمّرت «المقاومة» - ضد إسرائيل لمّن لا يتذكّر - ما لا يقل عن ثلاث دول، كانت من أرقى دول العالم العربي؛ مزّقتها وصادرتها طهران، كلياً أو جزئياً.
منذ 1979، ازدادت إسرائيل قوة وثراءً وتقدّماً، بينما عاد العراق وسوريا ولبنان عقوداً إلى الوراء، بفعل انهيار المؤسسات والخدمات، وهجرة الكفاءات، وتهتك النسيج الاجتماعي، وتفاقم التعصب الديني والمذهبي الإلغائي.
منذ 1979، تراجع التعليم، واهتزّت نزاهة القضاء، وخُنقت الحريات، وانعدم الأمن، وانحدرت كل مؤشرات التنمية البشرية، وتناهبت القوى الإقليمية النفوذ، وأحياناً الأرض أيضاً.
واليوم، بينما تُعدّ إسرائيل ضمن طليعة دول العالم في أبحاث الذكاء الاصطناعي، والتقنيات النانويّة، والكيمياء الأحيائية وعلوم الخلايا والوراثة، واستزراع الصحارى، وتتنافس في مجال المنشورات البحثية مع أرقى الدول الغربية... تعاني الدول التي تنتشر فيها الميليشيات الإيرانية، وتلك التابعة لمرجعية طهران، أزمات معيشية وبيئية حادة، كالتصحّر، والجفاف، والتلوّث، وانتشار الأمراض السارية، والتخلف الاجتماعي، والانغلاق الديني والطائفي.
في لبنان، البلد الذي أسّست فيه جامعتان أميركية وفرنسية عامي 1866 و1872، ومعهما كثير من أفضل المدارس في العالم العربي... البلد حيث كانت تُنتخَب ملكة جمال أوروبا خلال عقد الخمسينات، واختير مركزاً للخدمات المالية والتقنية في الشرق الأوسط، والمحطة الهندسية الإقليمية لكبريات شركات الطيران المدني العالمية... هذا البلد يعجز اليوم عن تأمين إمدادات الكهرباء بانتظام، وإنقاذ غاباته وحقوله من الحرائق، وحلّ أزمة النفايات، وتصريف إنتاجه الزراعي، وحماية شعبه من المسرطِنات والأدوية الفاسدة، والتصدّي لمحنة البطالة، وتأمين شبكة الأمان لشيوخه ومعوزيه!
أزمة لبنان، في الحقيقة، أكبر من الفساد بالمعنى العائم لهذه الكلمة. وعليه، فحلّها أكبر من حكومة وانتخابات!
إنها أزمة وطن ممنوع من أن يكون وطناً سيداً حراً مستقلاً... كي يبقى ورقة ضغط بيد هذا اللاعب الإقليمي أو ذاك، و... أو يظل صندوق بريد بين القوى الكبرى واللاعبين الإقليميين.
إنها أزمة هوية مضيعة، وثقافة سياسية سيئة متجذّرة، وذاكرة شعبية ضعيفة انتقائية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على انتفاضة لبنان وعي جوهر الأزمة على انتفاضة لبنان وعي جوهر الأزمة



GMT 00:45 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

«حماس» وإيران وثمار حرب غزّة!

GMT 00:44 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

ما بعد التعويم ؟!

GMT 00:42 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

مستعربون عاربون وعاربات مستعربات

GMT 00:41 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

بوتين... تفويض باستكمال الطوفان

GMT 00:38 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

المتنبّي في الجوف السعودية!

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ صوت الإمارات
المخرجة اللبنانية نادين لبكي باتت حديث الجمهور خلال الساعات الماضية بعد أن تم اختيارها لتكون عضوا في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لنسخة مهرجان كام السينمائي الـ77، والتي ستقام ما بين 14 و25 مايو القادم، وذلك بعد أن سبق لنادين لبكي وقد شاركت كعضو في لجنة تحكيم في مهرجان كان السينمائي ضمن مسابقة "نظرة ما" عام 2015، وبمجرد أن تم الإعلان عن الخبر حرص جمهور نادين لبكي على تسليط الضوء على أجمل إطلالاتها التي ظهرت بها في بعض المهرجانات الفنية والتي تميزت بالبساطة والرقي في كل مرة. نادين لبكي سبق وقد ظهرت في إحدى الفعاليات الفنية بأحد المهرجانات مؤخرًا وهي مرتدية فستان باللون الأسود الذي يبدو وأنها تعشق الظهور به باستمرار، وجاء الفستان طويلًا ومجسمًا وبصيحة الكب، مع فتحات عند منطقة الخصر، وانسدل الفستان مريحًا بداية من تلك المنطقة�...المزيد

GMT 01:56 2016 الجمعة ,08 إبريل / نيسان

عبايات باللون الأزرق لموضة موسم ربيع 2016

GMT 09:53 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أميركا تراقب حسابات التواصل الاجتماعي لطالبي اللجوء لديها

GMT 20:30 2013 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

وليدة الانتظار

GMT 02:10 2015 الأربعاء ,22 تموز / يوليو

منتجع تزلج يفتتح كنيسة مبنية من الثلج في فنلندا

GMT 11:03 2017 الثلاثاء ,05 أيلول / سبتمبر

الفنانة منة فضالي تبدي حماسها لمشاهدة فيلم "الخلية"

GMT 08:02 2021 الثلاثاء ,27 إبريل / نيسان

الـ"فيفا" يعلن مباريات تصفيات كأس العرب "قطر 2021"

GMT 03:10 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"تراث الإمارات" يختتم مشاركته النوعية في "الشارقة للكتاب"

GMT 10:34 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

رسميًا إنتر ميلان يُجدد عقد رانوكيا

GMT 13:04 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

لبنى أحمد توضح رموز تعليقات أشجار الفاكهة في علم الفنغ شوي

GMT 21:37 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

سالمين خميس سعيد بوصول فريقه لقبل النهائي الكأس

GMT 21:07 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

بذرة الكتان وعلاج حصوات المراره

GMT 03:02 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

هاني شاكر ينشر صور خطوبة ابنه شريف على "إنستغرام"

GMT 20:39 2018 الثلاثاء ,12 حزيران / يونيو

539 أسرة تستفيد من حملة جود الرمضانية في الذيد

GMT 19:07 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

تفعيل صفحة البحرين على موقع منتدى التعليم للجميع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates