الخير في أصله

الخير.. في أصله

الخير.. في أصله

 صوت الإمارات -

الخير في أصله

السعد المنهالي
بقلم - السعد المنهالي

رغم أنها كانت تقوم بطهي الطعام لصغارها أثناء رؤيتها من نافذة مطبخها ذلك الرجل على كرسيه المتحرك، إلا أنها تركت كل ما لديها -بمن فيهم صغارها- وهبت مسرعة ناحيته. فقد كان الرجل يجاهد لتحريك كرسيه بعيداً عن خط السكة حديد لقطار بدا أن موعد مروره قد أزف. لم يكن هناك أي سابق معرفة بين ماريا التي لا تزال في بداية العشرينيات، وهي أم عازبة، وبين المُقعد، ورغم ذلك رمت بنفسها عليه محتضنة خاصرته بقوة وملقية بجسدها الصغير إلى الخلف بعيداً عن الكرسي الذي أبى أن يتحرك، حتى مر القطار ملقياً بشظاياه بعيداً لأمتار. نعم أنقذته ماريا ذات العمر والجسد الصغيرين.. بينما كان يمر رجلان، كان أحدهما متأهباً بهاتفه لتصوير المشهد! بالفعل أنقذته ماريا بينما تركت صغارها في المنزل وقد نسيت تماماً أن طعامهم على النار وقد يحترق ويحرقهم! هذا ما حدث.. أنقذته ماريا من دون دافع معلوم.. بينما كان هناك من هو على استعداد لتداول صور مقتل الرجل المُقعد بعد اصطدام القطار بـ«دم بارد» ودون دافع معلوم.
فعلت «ماريا» ذلك من دون مقابل، وهذا ما يفعله المنقذون في كل المهن، الممرضون وإطفائيو الحرائق والعاملون في مجال الرفق بالحيوان، وغيرهم في سلسلة طويلة من المهن التي نمر عليها من دون أن نلقي لها بالاً حقيقياً لأنهم يتقاضون مقابلاً. غير الحقيقة أن مجرد استمرارهم في عمل كهذا يجب أن يكون سبباً في البحث والتفكر والإشادة، لا سيما أنه على الجانب الآخر من يقوم بجرح الآخرين وإشعال الحرائق وأذية الحيوانات من دون أي دافع معلوم.

الفعل الخيِّر هو سلوك طبيعي قد يقوم به حتى الأشرار أحياناً، غير أن الاستعداد المطلق للتضحية بالنفس والنفيس من دون تفكير، هو فعل مختلف إلى حدٍّ كبير، فهو مزروع في صاحبه حتى قبل أن يولد. قد يكون في جينات متوارثة عن أجداد مارسوا هذا السلوك بوعي وبشكل مكرر وربما بمقابل. هذه إحدى الفرضيات المطروحة علمياً. إنها سمات جينية أخرى ورثها الإنسان من أجداده، وقابلة للتحقق في موضوعنا هذا. في المرة المقبلة التي تشاهد فيها سلوكاً مفاجئاً يبدو في ظاهره غير مبرر لأحد (سواء كان خيراً أو شريراً)، توقف قليلاً قبل أن تطلق الحكم على صاحبه، فقد لا يكون له يد فيما بدر منه، إنما هي ترددات قادمة من بعيد.. بعيد جداً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخير في أصله الخير في أصله



GMT 00:45 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

«حماس» وإيران وثمار حرب غزّة!

GMT 00:44 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

ما بعد التعويم ؟!

GMT 00:42 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

مستعربون عاربون وعاربات مستعربات

GMT 00:41 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

بوتين... تفويض باستكمال الطوفان

GMT 00:38 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

المتنبّي في الجوف السعودية!

GMT 16:55 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
 صوت الإمارات - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 16:46 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
 صوت الإمارات - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 11:47 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 18:20 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة مؤلف كتب "حصن المسلم" عن عمر يناهز 67 عامًا

GMT 07:14 2013 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

كيري يعود إلى الشرق الأوسط لدفع محادثات السلام

GMT 21:18 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عائلة تركية تتجول بين 26 دولة حول العالم بالدراجة الهوائية

GMT 03:08 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وكيل وزارة الدفاع يستقبل مساعد وزير الدفاع الباكستاني

GMT 05:57 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

عبدالله مال الله يكشف أصعب لحظاته في الملاعب

GMT 18:50 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

"سانغ يونغ" تبدأ باختبار سيارات "Korando"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates