العراق صريع الرهانات الأميركية

العراق صريع الرهانات الأميركية

العراق صريع الرهانات الأميركية

 صوت الإمارات -

العراق صريع الرهانات الأميركية

بقلم -فؤاد مطر

قد يكون السيد مقتدى الصدر اختار لإشعال فتيل وثبته أن تكون متزامنة مع الأيام العاشورائية بما تعنيه هذه الذكرى للشيعة عموماً وما تُحدثه في النفس من شجن مقرون بالعبارة الحسينية التي هي رمز الذكرى. وهكذا بدت الوثبة كمن يقول السيد مقتدى الصدر للجمع المليوني المشارك فيها «هيهات أيضاً مني ومنكم الذلة المالكية...».

ونحن عندما نصنف الحراك الصدري المباغت بأنه وثبة، فعلى أساس أنها الخطوة التي يعبِّر فيها الصدر الممسك بالناصيتيْن: ناصية التراث الديني وما أصاب هذا التراث من نكبات وإعدامات، وناصية التراث السياسي الذي تحقق بعد فوز مبهر للصدرية في الانتخابات البرلمانية. ولقد جاءت هذه الوثبة بعد غضبة على استهانة لحقت به من رئيس الحكومة السابق نوري المالكي السياسي الملتحف بدعم النظام الإيراني، وصلت إلى حد التلفظ بما أشعل الغضب في النفس الصدرية.
وقبل الغضبة التي تبعتها الوثبة كانت للسيد مقتدى وقفة من المالكي عبَّر عنها كلامياً. ونتذكر بشكل خاص عبارات قالها في مؤتمر صحافي عقده يوم الخميس 3 أبريل (نيسان) 2014 في النجف، وكانت، إذا جاز التصنيف، الطلقة الأُولى لانطلاق «ماراثون» المنافسة بين الصدر المنفتح على سائر القوى، وكذلك على المحيط العربي، وبين المالكي المستقوي بالنظام الإيراني الذي وجّه تنظيماته الميليشياوية إلى الالتفاف حول المالكي من دون غيره من سائر الرعويين.
ومن جملة ما قاله السيد مقتدى في ذلك المؤتمر وتفسير دواعي وثبته العاشورائية، التي لم تشبهها وثبة من قبل: «ما زلت بعيداً عن السياسة كونها، ما عدا المخلصين، عملية أطفال وأنا لست طفلاً، وقد اعتزلت ما هو خطأ. ولكن إذا استدعى شيء التقويم وكانت هناك مصلحة سأتدخل، وأنا الآن لا أتكلم بالوازع الديني والوطني والإسلامي...».. وقال أيضاً: «صوت الانتخابات قادم، وأنا على يقين من أن صوت الديكتاتور لن يفلح. إن الشعب هو الذي سينتصر لا الولاية الثالثة للمالكي ولا غيرها. أحب أن أوجه نصيحة إلى الأخ المالكي إذا كان يظن نفسه أنه خدم العراق فليسترح أربع سنوات...».
هذا التقييم من جانب الصدر قبْل ثماني سنوات للمالكي أنتج في ضوء ترتيبات سياسية من بينها عودة المالكي كقوة، من خلال محمد شياع السوداني كرئيس حكومة تخلف حكومة مصطفى الكاظمي، الغضب المتدرج الذي أنتج بعد التسجيل المتضمن عبارات اعتبرت مهينة وعدائية في نظر الصدريين، الذين ما إن أطلق سيدهم النفير حتى كانوا عند حُسْن تقدير مقتدى الصدر للموقف. أدوا صلاة جمعة لا صلاة بحجمها وبمشاعر المصلين من قبل.
لكن القراءة المالكية للخطوة لم تأخذ قدْرها من التهيب، وبقي تعامل المالكي ومَن حوله ووراءه مع موضوع ترئيس السوداني، بمثل ذلك الذي حدث في لبنان والمعروف بمأزق توزير الإعلامي جورج قرداحي. ومثلما كان المأزق نتيجة كلام مسجل لقرداحي، فإن المأزق العراقي كان متصلاً بكلام مسجل للمالكي الذي يحتضن مشروع استعادة الشأن من خلال ترئيس محمد شياع السوداني، مع ملاحظة أن هذا الأخير مكتمل الكفاءة للعمل الحكومي، رئيساً للوزراء كما كفاءة جورج قرداحي وزيراً للإعلام. ولكنها البغضاء والولاءات التي تحول الآمال إلى نكسات.
ومع أن الأعمال بالنيات، وفي القدرة على الإنجاز وليست في التسميات، فإن تردد عبارة الرئيس السوداني كرئيس للحكومة العراقية وترداد العبارة كعناوين في الصحف أو عبر الأثير، ومن خلال نشرات الأخبار في الفضائيات مثل «الرئيس السوداني يقر موازنة العراق»، أو «الرئيس السوداني يتحادث مع الرئيس الإيراني لضبط حراك الميليشيات في العراق»... وغيرها الكثير سيحرج رئيس الحكومة نفسه، وبني قومه العراقيين، الذين قبل أن يعتادوا على الأمر سيحتارون هل إن القائل هو رئيسهم أم رئيس السودان.
قد تبدو الملاحظة من جانبنا على درجة من الخشونة، ولكن واقع الحال يفرض ذلك.
ويبقى في شأن الوثبة الصدرية في حال بلغت آخر المحطات أنها ستدخل التاريخ جنباً إلى جنب. وإن اختلفت الصفحات، مع الثورة البلشفية والثورة الفرنسية، فهي سجلت سابقة تحمُّل هجير الصيف العراقي؛ حيث الحرارة تصل إلى الدرجة الخمسين. ولولا اقتحام مبنى البرلمان واستيطانه فيما مكيفات الهواء تعمل، الأمر الذي خفف من وطأة الحر الشديد على المقتحِمين، لكانت ربما حدثت إغماءات بالألوف وربما ما هو أكثر من الإغماءات.
في انتظار المزيد من الهوامش والمفاجآت الصاعقة في المشهد العراقي، يبدو أن الرئيس الأميركي بايدن لا يأخذ في الاعتبار أن هذا الذي يجري هو نتاج الحرب الأميركية على العراق، ثم إلغاء جيشه فاحتلاله فتركه صريع الرهانات الأميركية والمراهنين من لاعبين ومتلاعبين.
وهذا قدر العراق الغاضب والمغضوب منه والمغضوب عليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق صريع الرهانات الأميركية العراق صريع الرهانات الأميركية



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 15:42 2017 الأحد ,29 كانون الثاني / يناير

"كارولينا" تحبس كل من يخلف في وعده بالزواج

GMT 01:31 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

أحمد شوبير ينتقل إلى أون سبورت

GMT 17:34 2015 السبت ,24 كانون الثاني / يناير

55 مشاركًا وأكثر من 100 لوحة فنية تجمعها خيمة الفنون

GMT 07:54 2015 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

إقبال لافت على مشاهدة عروض المهرجان المصري للمسرح

GMT 07:04 2016 الجمعة ,26 شباط / فبراير

لوس انجلوس تستعد لاستقبال أوسكار 2016

GMT 12:32 2015 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

"شانيل" تطرح بإبداع تشكيلة مجوهرات "سولاسين دي ليون"

GMT 19:13 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

سيف بن زايد يعزي سعيد سلطان بن حرمل في وفاة والده

GMT 11:54 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

إيفانكا ترامب تتألق بإطلالة مبهرة في عيد ميلاد زوجها

GMT 17:58 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

الدوائر الحكومية في دبي تُسعد موظفيها بالسرعة القصوى

GMT 06:26 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

هيئة الكتاب تصدر "القوى السياسية بعد 30 يونيو" لفريد زهران

GMT 17:24 2013 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

"كواليس الكوابيس" قصة جديدة لمحمد غنيم

GMT 15:14 2013 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

القطط من أجل راحة الزبائن في مقهى فرنسي في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates