جدّتنا التي كتبت

جدّتنا التي كتبت

جدّتنا التي كتبت

 صوت الإمارات -

جدّتنا التي كتبت

بقلم - إنعام كجه جي

تعال يا سيدي واقرأ هذا الخبر المدهش: تحت عنوان: «هي التي كتبت»، يقيم متحف ومكتبة مورغان معرضاً عن أنخيدوانا ونساء بلاد ما بين النهرين. وأنخيدوانا هي ابنة الملك سرجون الأكدي، وأول شاعرة في التاريخ. وبلاد النهرين هي العراق.
تحرمني المسافة، مثل الآلاف من حفيدات أنخيدوانا، من حضور المعرض. لكنني أتخيل جمهوراً أميركياً متعطشاً للمعرفة، يقصد جادة ماديسون في نيويورك ليلقي السلام على جدتنا الشاعرة. على باب الدخول ملصق مأخوذ من جدارية سومرية لامرأة ترفع ساقها باقتدار، وتسند قدمها على ظهر أسد. أنثى محاربة تحمل سهاماً في جعبتها، لها جناحان وبيديها صولجانان، يتدلى قرطاها من بين جدائلها. جاء التعريف بها كالتالي: «هي أول مؤلف معروف بالاسم في التاريخ. شاعرة كبرى لها مجموعة مذهلة من النصوص. تلقت اسمها الذي يعني زخرفة السماء عند تعيينها كاهنة في معبد إله القمر في أور، جنوب العراق حالياً. تركت بصمة لا تمحى في عالم الأدب، من خلال مؤلفات استثنائية باللغة السومرية. يعكس شعرها إخلاصها لإلهة الحب والحرب إينانا».
أهو قدر لا فكاك منه أن يمشي الحب والحرب يداً بيد في تلك البقعة المباركة... الملعونة من الكرة الأرضية؟
وما أنخيدوانا سوى العنوان العريض. شاعرة كان لنبرتها العاطفية تأثير دائم في بلاد ما بين النهرين. استمر نسخ كتاباتها في مدارس النسخ لعدة قرون بعد وفاتها، وترجمت قصائدها إلى اللغات الحية. ومن خلالها يفتح المعرض أقواساً على الحياة اليومية لنساء تلك الحقبة، عاداتهن الاجتماعية، وأدوارهن في الفضاء العام، عاملات وزارعات وكاهنات ومتعبدات. كل ذلك مرسوم على الجدران ومكتوب بالحرف المسماري. خطابات لأجيال تالية. نقرأ في نص منشور على موقع المتحف: «إن صمود هذه القطع الفنية يعطينا نظرة ثاقبة على جانب غالباً ما يتم تجاهله في المجتمع الأبوي القديم: الأنوثة».
تتراوح الفترة التي يتناولها المعرض ما بين 2000 و3400 سنة قبل الميلاد. كؤوس وآنية نقشت عليها صور نساء تنضح نظراتهن بالسلطة وبالقوة. وهناك ختم أسطواني لإلهة تحمل حبات التمر بيدها، علامة الخصب، لا تواري نظراتها بل تحدق في المشاهد مباشرة. آثار كشفت عنها تنقيبات جرت أوائل القرن الماضي، يصفها الدليل بأنها - بألوانها النابضة بالحياة - وليمة للعيون.
جاء في مقال للروائية والمترجمة العراقية لطفيّة الدليمي، أن أي حضارة ما كانت لتدوم وتزدهر لولا جهود جموع النساء وإبداعهن وشراكتهن مع الرجال. ورغم ذلك تجاهل المدونون النساء البارزات في مجالات الإبداع والحكمة إلا في حالات نادرة تكون فيها المرأة ذات نفوذ. لم يذكر التاريخ من الشاعرات القديمات في الحضارات الرافدينية سوى الأميرة أنخيدوانا التي تجرأت ودونت اسمها على قصيدة «سيدة النواميس الإلهية». وصفت فيها حالها تحت حكم الغزاة الذين نفوها عن مدينتها، وخاطبت الإلهة إينانا لتشهدها على ما جرى لبلادها:
«أيتها الإلهة الواهبة للحياة، الرحيمة، يا مشعّة القلب. لقد نطقتُ بأغنيتي أمامك حسبما يناسبُ ألوهتكِ، دخلتُ أمامكِ إلى معبدي المقدس، أنا الكاهنة، أنخيدوانا، حاملة سلّة البخور، أنشدُ ترنيمتكِ السعيدة؛ لكنني الآن لم أعد أسكن المعبد المقدس الذي شيدته يداك. أتى النهار وجلدتني الشمس. وأتى ظلّ الليل وأغرقتني الريح الجنوبية. صوتي الرخيم الحلو كالعسل صار نشازاً، وكل ما أعطاني المتعة تحول إلى غبار».
بقي القول إن هذا المعرض يقام بدعم من الزوجين جانيت وجوناثان روزن. ثريان يهوديان أميركيان من محبي المقتنيات النفيسة، دون فلس واحد من حكوماتنا الرشيدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جدّتنا التي كتبت جدّتنا التي كتبت



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 15:42 2017 الأحد ,29 كانون الثاني / يناير

"كارولينا" تحبس كل من يخلف في وعده بالزواج

GMT 01:31 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

أحمد شوبير ينتقل إلى أون سبورت

GMT 17:34 2015 السبت ,24 كانون الثاني / يناير

55 مشاركًا وأكثر من 100 لوحة فنية تجمعها خيمة الفنون

GMT 07:54 2015 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

إقبال لافت على مشاهدة عروض المهرجان المصري للمسرح

GMT 07:04 2016 الجمعة ,26 شباط / فبراير

لوس انجلوس تستعد لاستقبال أوسكار 2016

GMT 12:32 2015 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

"شانيل" تطرح بإبداع تشكيلة مجوهرات "سولاسين دي ليون"

GMT 19:13 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

سيف بن زايد يعزي سعيد سلطان بن حرمل في وفاة والده

GMT 11:54 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

إيفانكا ترامب تتألق بإطلالة مبهرة في عيد ميلاد زوجها

GMT 17:58 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

الدوائر الحكومية في دبي تُسعد موظفيها بالسرعة القصوى

GMT 06:26 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

هيئة الكتاب تصدر "القوى السياسية بعد 30 يونيو" لفريد زهران

GMT 17:24 2013 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

"كواليس الكوابيس" قصة جديدة لمحمد غنيم

GMT 15:14 2013 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

القطط من أجل راحة الزبائن في مقهى فرنسي في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates