شهر مع الساحرة

شهر مع الساحرة!

شهر مع الساحرة!

 صوت الإمارات -

شهر مع الساحرة

بقلم : حسين شبكشي

انطلقت، وبعد انتظار أربع سنوات، بطولة كأس العالم لكرة القدم تلك المناسبة الرياضية الأهم للرياضة الأكثر شعبية حول العالم بلا منازع. والبطولة المعنية هي «المنتج» الأهم والأكثر شهرة لاتحاد كرة القدم المعروف باسم «الفيفا»، التي كانت من بنات أفكار الفرنسي جويل ريمييه في بدايات القرن الميلادي الماضي.
وبدأت هذه البطولة بشكل متواضع ومشاركة محدودة جداً من الفرق الدولية، ولكنها مع مرور الوقت استقرت وقويت ونجت من حروب أهلية وعالمية وانقلابات وأوبئة وكوارث طبيعية واستمرت حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، بطولة يتسمر الناس لمدة شهر متابعين لأخبارها مع توقعات بأن يصل عدد المتابعين تلفزيونياً لها هذه المرة إلى ما يزيد على أربعة مليارات شخص حول العالم، أي ما يقارب نصف تعداد سكان الكرة الأرضية.
ولم يبالغ أسطورة الأدب اللاتيني جابريل جارثيا ماركيز، الفائز بجائزة نوبل للآداب وصاحب الروايات الخالدة والمعروف بعشقه وغرامه وولعه بكرة القدم، حينما قال «لقد تحولت كرة القدم إلى أهم ظاهرة ثقافية في العالم»، ولم يكتفِ بذلك، بل إنه أضاف في روايته الشهيرة «الحب في زمن الكوليرا»، أن حب كرة القدم هو عدوى تنتشر من شخص لآخر حتى تصبح كالجائحة التي تصيب الجميع.
ويعتبر الكثيرون من الناس أن الارتفاع المهول في شعبية كرة القدم حول العالم، أسهم بشكل كبير في تمديد حالة السلام بين الدول والبعد عن الحروب المدمرة، لأنهم باختصار استعاضوا كرة القدم بديلاً عن الحروب، وأصبحت الصراعات تحسم في الملاعب كروياً.
وهذا ما يلفت نظرنا إليه المفكر والصديق الدكتور عبد المنعم سعيد حينما يقول: «فمن المعلوم أن الرياضة حالة من المنافسة، والدفاع والهجوم، ورسم الخطط والاستراتيجيات، وعندما تكون كرة القدم فإنها (جماهيرية)، وجماعية من حيث التشكيل، وملعبها بساط هو مختصر مفيد لكوكب الأرض بما عليه من أيام ودول يجري تداولها بين فرق وناس».
ولكن هناك الجانب الاقتصادي لهذه البطولة، الذي لا يمكن إغفاله أو الإقلال من شأنه. ففي ورقة بحثية مقدمة من جامعة بيركلي الأميركية العريقة قُدر إجمالي التكلفة التي ستتحملها قطر لقاء تنظيم البطولة بمبلغ يتجاوز الـ220 مليار دولار أميركي، وفيها استغلال مستمر لطموحات قطر وخططها التنموية المستقبلية حسب تصريح مسؤوليها بأن كل ما تم إنفاقه سيذهب لتعزيز أهداف قطر، لأن تكون مركزاً تقنياً ومالياً وسياحياً في المنطقة بما في ذلك الملاعب وأكثر من 130 ألف غرفة فندقية تم استحداثها لأجل البطولة.
يقدر «الفيفا» حجم الإيرادات المتوقعة من بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 بما يقارب الـ4.7 مليار دولار أميركي، سيكون بيع حقوق البث التلفزيوني العنصر الأهم من هذه الإيرادات بنسبة 56 في المائة وبمبلغ يقدر بـ2.6 مليون دولار أميركي وللبطولة عن طريق الفيفا شركاء رعاة أساسيين مثل «أديداس» و«كيا» و«كوكاكولا» و«فيزا» والخطوط القطرية والقطرية للطاقة، بالإضافة إلى رعاة فرعيين مثل بادوايزر وماكدونالدز وهايسنس وغيرها.
وللكاتب فيكتور ماثيسون، ورقة بحثية مهمة في جامعة هولي كروس عن اقتصادات بطولتي كأس العالم في البرازيل وروسيا، اللتين وصفهما بأنهما كانتا مكلفتين جداً وكبدتهما بديون هائلة لا تزال تُسدد حتى الآن، والخلاصة أن البطولة نفسها من الصعب جداً أن تكون مجدية اقتصادياً، ولكن من الممكن توظيفها كحملة علاقات عامة من الطراز الثقيل لتفعيل خطط استثمارية وسياحية طموحة.
بطولة كأس العالم لكرة القدم التي يجمع على محبتها شعوب العالم متجاوزين حدود الفروقات الثقافية والخلافات السياسية والتباينات الاقتصادية بشكل مدهش ومثير، تشهد عليه البطولات المتتالية، إلا أن هناك نبرة عنصرية فوقية غليظة ومستفزة تصدر من الكثير من المسؤولين والإعلاميين في الغرب بحق البطولة الحالية وهي نبرة مليئة بالروح الإمبريالية الاستعمارية. تنمر عجيب واستعلاء معيب.
شهر يرتاح فيه العالم من متاعبه أو يتناساها أو أضعف الإيمان يضعها جانباً، يفرح ويشجع ويتحمس، شهر يُنسى فيه كورونا وأوكرانيا والتضخم وصواريخ رئيس كوريا الشمالية. شهر مبهج تحقق فيه متعة متابعة رونالدو وميسي نتائج إيجابية على الحالة النفسية للكثير من الناس قد تتفوق على ما يمكن أن يحققه زاناكس وبروزاك!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شهر مع الساحرة شهر مع الساحرة



GMT 20:25 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

خيارات غزة: ما العمل؟

GMT 20:23 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

حين تثأر الإمبراطوريات المجروحة

GMT 20:17 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

«نجوى فؤاد».. ليست نمرة

GMT 19:49 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

عودة الجماهير للملاعب!

GMT 19:43 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

الفلوس.. والقضية

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 12:23 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 18:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 11:27 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 00:44 2024 الأحد ,18 شباط / فبراير

النفط يرتفع بسبب التوترات في الشرق الوسط

GMT 04:15 2019 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

تضحية غريبة من شاب هندي لإعادة محبوبته

GMT 02:26 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

غادة عبد الرازق تكشف عن حقيقة زواجها مرة أخرى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates