المطر دلالات الخصب والغضب

المطر.. دلالات الخصب والغضب

المطر.. دلالات الخصب والغضب

 صوت الإمارات -

المطر دلالات الخصب والغضب

بقلم : ناصر الظاهري

ربما أول مرة عرف الإنسان المطر كرحمة مهداة، حين أطفأ تلك الحرائق المشتعلة في الغاب، وحين أحيا الزرع، وأنبت العشب، وحين سمع شهقة الفرح لأولاده، وهم يلعبون بالثرى، ويتقافزون تحت الرذاذ، ورأى أنعامه تمرح في تلك البرّية مع ترنيمة طُهر ماء المطر، وظل ساكن الصحراء يرقب هطوله، فهو المنجي من الرحيل، وقلع الخيام، والبحث عن أرض يريدها أن تكون الوطن، تغزل به، وأمطر عليه من المسميات، حسب شدته، وحسب موسمه، وحسب تدفقه، وخيره وشره، لكن المطر له من دلالات الخصب، ومن دلالات الغضب، فكانت أول صورة غضبى للمطر حين جرف مسكنه، وأقتلع شجره، وأضر بزرعه، وجعل ماشيته غافية تسحبها مياه الأودية والشعاب، وجعله يحتاط لأول مرة بأسقف تحجب بينه وبين السماء ونجومها التي يتخذها هادية في الليل البهيم، فكان ذلك الحجاب والساتر اتقاء وابله، ثم ابتكر المزاريب لكي لا تسقط الأسقف على رأسه، وجعل له مجاري، وسدوداً لكي لا يذهب ماؤه هدراً، فإما إلى زرع، وإما لتخزين إلى حين.

ارتبط المطر بالفرح والغناء وطقوس الشكر والتطهر، وكانت عبادات لآلهة الخصب والنماء، وكانت القرابين اتقاء الفيضان والطوفان، هناك شوق له، وبشارة خير لمن يسكن الأراضي القاحلة والصحاري الشاسعة، وهناك مهادنة بينه وبين سكان مناطق يغمرها المطر طوال أشهر متتابعة، وهناك تبرم من سكان مناطق إن مكث هاملاً، غامراً، حتى يغطي عنهم الشمس لأشهر، ويعطلّ حركة سيرهم، وإيقاع يومهم، ويروي جدران بيوتهم بالبلل.

لما المطر وأنشودته حاضرة في ذاكرة الطفولة، ولا تحب أن تفارقها؟ وأي نَفّ من مطر يحيلها إلى نفس توّاقة للتطهر، وفعل الخير، حين يحضر المطر، تحضر تلك البنت الشقية الرضية التي كانت تخاتل المطر، وتقطف قطراته، يبتل الشعر حتى يبدو كقطعة من ليل تائهة، يلتصق الثوب العربي بالجسد الممتلئ عافية، حتى يرسمها المطر بتفاصيل أنثى رعوية، تحضر «دروازة» البيت القديم التي فجأة يحيا لونها الخشبي، تحضر جارات الأمس الجميل كل واحدة عند باب بيتها، تخبئ نشوتها، يحضر الرجال الفازعون يسدون خروقاً، ويصلحون ثقوباً على سطح بيت جارتنا العجوز، يحضر ذلك الظل الشبعان الذي يتبع المطر، ويصبغ كثبان الرمل بلون الارتواء، تحضر أغاني الصغار في مشاغبات المطر، منها ما كَسّرَ حوي عبدالله، ومنها ما كَسّر حوي سَعّودة، لأنه مرة جاء بيد الله، ومرة جاء برعوده، يحضر المطر فجأة فيوقظ الطفولة النائمة فينا، ونحب أن نستقبله صلطاً ملطاً كما كنّا نفعل صغاراً، استبشاراً بالرذاذ، وما يفعله بالأشياء المطر.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المطر دلالات الخصب والغضب المطر دلالات الخصب والغضب



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 01:22 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زيت الزيتون لعلاج الطفح الجلدى

GMT 08:55 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

ما هي الطرق لجعل الطفل ناجحًا دراسيًا؟

GMT 06:45 2013 السبت ,13 إبريل / نيسان

أخوات برونو مارس في برنامج تلفزيون

GMT 15:15 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مانشستر يونايتد يغري "سافيتش" بعرض خيالي خرافى

GMT 19:07 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

فولكس فاجن تعلن عن إطلاقها لسيارتين جديدتين

GMT 04:14 2015 الخميس ,08 كانون الثاني / يناير

مشروع روسي واعد لإنتاج سفن طائرة فوق الماء والأرض

GMT 08:57 2015 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

سرور يؤكد تفهمه قلق الجمهور ويشدد على تفاؤله

GMT 13:52 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أسطورة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates