عن لبنان الذي يموت ككهل وشابّ في وقت واحد

... عن لبنان الذي يموت ككهل وشابّ في وقت واحد!

... عن لبنان الذي يموت ككهل وشابّ في وقت واحد!

 صوت الإمارات -

 عن لبنان الذي يموت ككهل وشابّ في وقت واحد

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

هل يمكن لواحدنا أن يموت وهو، في وقت واحد، شيخ كهل وشابّ يافع؟ هذه حالة لبنان اليوم.

جريمة المرفأ المروّعة والاستثنائيّة أعلنت هذا الموت عن عمر بلغ المائة.
يمكن أن نضيف أنّ نُذر الموت حفّت دائماً بالتاريخ القصير لهذا البلد في جمهوريّتيه الأولى والثانية. في الأولى، هناك 1958 و1969 و1973 قبل أن تأتي حرب 1975 التي استمرّت 14 سنة ولم تكن خاتمة الأحزان. البلد كان يومها في الثانية والثلاثين من عمره. في الجمهوريّة الثانية، هناك 1996 و2005 و2006 و2008 و2011 و2019 - 2020 فضلاً عن التعليق الطويل للبرلمان والشغور الطويل في رئاسة الجمهوريّة وصعوبة تشكيل الحكومات. بعد ذاك أتت الجريمة الموصوفة ذات الطبيعة الإباديّة. اللبنانيّون الذين كانوا ينتظرون قرار المحكمة الدوليّة في اغتيال رفيق الحريري، باتوا ينتظرون تحقيقاً دوليّاً في جريمة أدهى وأمرّ. إنّه بؤس خالص يصاب به شعب من الشعوب.
لقد كان المشروع اللبناني دائماً مشروعاً صعباً، قابليّته للموت كانت دائماً مرتفعة جدّاً. لكنْ الآن، مع مئات القتلى وآلاف الجرحى ومئات آلاف المهجّرين والمنكوبين، تنهار أعمدة البلد كلّها:
- تنهار طريقة في حكمه ومعها طبقة تولّت هذا الحكم، ولم تعد تملك إلاّ إعلان قانون طوارئ والاختباء وراء سلطة عسكريّة.
- تنهار طريقة في إدارة اقتصاده وثيقة الصلة بالطبقة التي تتولّى سياسته. المصرف الذي كان من مفاخره بات يترنّح.
- تنهار وضعيّة سمحت بالتسلّح وقيام جيوش موازية وجرّ البلد إلى صراعات إقليميّة قابلة للتجنّب.
- تنهار منظومة ثقافيّة، متعدّدة الوجوه والتعبير، بدت قاصرة عن المهمّات التي يطرحها هذا المشروع الصعب.
- ورغم إشارات معاكسة، بعضها فولكلوريّ، ينهار ما تبقّى من «تعايش طائفيّ» شكّل العمود الفقري للاجتماع والنظام اللبنانيين.
- تنطلق موجة هجرة، لا سيّما في أوساط الشبّان والشابّات المتعلّمين والمؤهّلين، وفي بيئة النصف الأعلى من الهرم الاجتماعي التي يصدر عنها أصحاب المشاريع. يتردّى نشاط المؤسّسات على أنواعها، من الجامعات إلى المشافي... وحتّى إشعار آخر، سيكون لبنان بلا مدن ولا مرفأ...
- تحصل هذه الانهيارات وسط أزمة اقتصاديّة خانقة جاءت الكارثة الأخيرة وإعادة الإعمار تتويجاً نوعيّاً لها.
لقد بات من الصعب تصوّر حلّ تنتجه التصوّرات التقليديّة، ناهيك بالقوى التقليديّة، فيما لا تَلوح في الأفق قوى بديلة تمثّل كتلاً وازنة عابرة للجماعات والطوائف. أمّا قدرة العالم على الإنجاد فتبقى محدودة وموضوعاً للتساؤل لأسباب عدّة بعضها يطال لبنان وبعضها يطال العالم: حجم المساعدة الهيولي المطلوب في ظلّ أزمة اقتصاديّة عالميّة، وحال التنافر اللبنانيّ، والفساد والتردّد في الإصلاح، وسلاح «حزب الله»، والتضارب في مواقف الدول الإقليميّة والدوليّة المؤثّرة. وهذا كلّه قبل إجراء تحقيق واتّضاح نتائجه مما قد يودي نهائيّاً بالسلم الأهلي الظاهريّ.
بلغة أخرى: «قيامة لبنان»، هذه المرّة، أقلّ احتمالاً بكثير من موته. ومن يدري فقد تؤول الأمور ببيروت ولبنان، بعد حين، إلى التصحّر الذي تؤول إليه مدن وبلدان منكوبة (بغداد بعد غزو هولاكو في 1258!).
الألم والأسى اللذان تثيرهما هذه الصورة يضاعفهما أنّ لبنان لا يزال حاجة ملحّة، لا لنفسه فحسب، بل لعموم المنطقة أيضاً.
المقصود هو الحريّة التي يعبّر عنها برلمان منتخب وصحافة حرّة وأحزاب ونقابات تتشكّل وتتنافس. المقصود انفتاح اقتصادي وثقافي على العالم، خصوصاً الغرب، ودرجة بعيدة نسبيّاً من حرّيّة التفكير وحرّيّة تصرّف المرء بجسده أو جسدها. المقصود صيغة نجتْ من الحكم العسكري وسجونه ولم تفرض على المجتمع آيديولوجيا رسميّة تحدّد ما الصائب وما الخاطئ. المقصود أقلّيّات لم تشعر، أقلّه في الأزمنة العاديّة، أنّها خائفة لأنّها أقلّيّات. المقصود دور لعبه هذا البلد الصغير (ولم يكن قد أصبح بلداً بعد) فيما بات يُعرف بـ«النهضة العربيّة».
وقليلاً ما ينفصل الواقع عن فكرته، أو الفكرة عن واقعها، كما هي حال لبنان اليوم. هكذا لا يعود البلد الذي يموت مجرّد بلد، بل يغدو رمزاً لعقل وعلاقة أهملناهما وأسأنا معاملتهما بحيث غادرا أرضنا.
بالمعنى هذا يموت لبنان شابّاً سوف يخسر أهله وتخسر المنطقة الكثير من جرّاء موته. سوف يخسرون صورة للمستقبل ومشروعاً للمحاكاة وطريقاً محتملاً إلى الحداثة.
هذا ما يجيز إدراج الكارثة البيروتيّة الراهنة – الأخيرة في إطار الكوارث الكبرى التي تعرّض لها عرب المشرق: نكبة 1948 في فلسطين، وهزيمة 1967 العربيّة، وقيام الأنظمة العسكريّة والأمنيّة، وثورة إيران الخمينيّة... وعلى هذا الدرب سائرون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن لبنان الذي يموت ككهل وشابّ في وقت واحد  عن لبنان الذي يموت ككهل وشابّ في وقت واحد



GMT 00:45 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

«حماس» وإيران وثمار حرب غزّة!

GMT 00:44 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

ما بعد التعويم ؟!

GMT 00:42 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

مستعربون عاربون وعاربات مستعربات

GMT 00:41 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

بوتين... تفويض باستكمال الطوفان

GMT 00:38 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

المتنبّي في الجوف السعودية!

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

أبوظبي ـ صوت الإمارات
تحتفل اليوم الإعلامية اللبنانية ريا أبي راشد التي تحظى بشهرة واسعة تخطت حدود الوطن العربي وصولا لعالم هوليوود، ورافقت ريا الأناقة الناعمة في أشهر فعاليات الموضة والفن حول العالم على مدار سنوات من التوهج والنجاح المهني، واليوم تزامنا مع عيد ميلادها الـ47، سنأخذكم في جولة سريعة نتذكر خلالها بعض من إطلالات الإعلامية العالمية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار المجوهرات العريقة Bulgari، وأول امرأة عربية تصبح سفيرة للنوايا الحسنة لمفوضية اللاجئين في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. أحدث ظهور لريا أبي راشد بصيحة الجمبسوت منذ أيام سحرت الإعلامية ريا أبي راشد متابعيها بإطلالة ناعمة قامت بنشر صورها عبر حسابها الخاص على انستجرام، عبارة عن جمبسوت ناعم باللون الأبيض الموحد من توقيع Alex Perry، تميز بالأرجل الواسعة مع ياقة القلب ذات الأكتاف المكشوف...المزيد

GMT 02:20 2013 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

اعتني بطفلك فى الفترة ما بين عام وثلاثة أعوام

GMT 13:52 2013 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "عشم" في جمعية النقاد

GMT 17:36 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أساليب مكياج رائعة مثالية لفستانك الأحمر

GMT 21:08 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

يدان فروسية الجبيل يقيم خامس سباقاته للموسم الحالي

GMT 16:45 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

أهم صفات ومميّزات جهاز "ماك بوك برو" مقاس 13 إنش

GMT 08:32 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

«مايكروسوفت» تتجّه إلى إلغاء «إيدج»

GMT 04:06 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أفضل طرق تنظيف الزجاج في الشتاء

GMT 09:13 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

موظفو "مايكروسوفت" يثورون ضد صفقة سرية مع البنتاغون

GMT 00:07 2013 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

تطبيق إلكتروني يساعد على تعلم الإنكليزية

GMT 12:23 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

فتاة تهجر صديقها بعدما اكتشفت أن سيارته ليست من "بورش"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates