أبعد من أبو الحسن بني صدر

أبعد من أبو الحسن بني صدر...

أبعد من أبو الحسن بني صدر...

 صوت الإمارات -

أبعد من أبو الحسن بني صدر

حازم صاغية

في باريس، وعن 88 عاماً، توفّي أبو الحسن بني صدر. الرحيل كان صامتاً وبارداً، والراحل أشبه بمجهول.
بني صدر ليس مجهولاً، أو أنّ مجهوليّته ليست بهذه البساطة. لقد كان أوّل رئيس لإيران بعد إعلانها جمهوريّةً، أمّا ما حمله إلى منصبه هذا فلم يكن سوى قربه من آية الله الخمينيّ الذي وصفه بـ «هذا ابني». فهو غادر البلد لاجئاً شابّاً منذ 1964، لكنّ قربه من آية الله و«بُنوّته» له كانا كافيين للتغلّب على كلّ شيء. هكذا نال قرابة 80 بالمئة من أصوات المقترعين في 1980.
رئيس الجمهوريّة الأوّل سريعاً ما وجد نفسه في دائرة الاشتباه والريبة. رجال الدين، وعلى رأسهم محمّد بهشتي، لم يطيقوا هذا العلمانيّ الآتي من فرنسا حيث عاش ودرس ودرّس. انتسابُه إلى أسرة دينيّة نافذة في همدان، والصداقة بين والده البيولوجيّ رجل الدين نصر الله بني صدر ووالده الآيديولوجيّ الخمينيّ لم يشفعا له. تديّنه وورعه الشخصيّان أيضاً لم يخفّفا حدّة اختلافه. ذاك أنّ إيمانه حفّت به عواملُ أخرى «مُلوِّثة»، كتأثّراته الباريسيّة وسنواته الإيرانيّة المبكرة حين كان طالباً مناضلاً في «الجبهة الوطنيّة» التي تعود أصولها إلى محمّد مصدّق. وهو، فوق هذا، لم يكن متحمّساً لحكم رجال الدين، كما راهن على أن يكون النظام الثوريّ مقدّمة لـ «حكم القانون» الذي يفضي إلى ديمقراطيّة بلون إسلاميّ.
معارضة بني صدر استمرارَ الحرب بين العراق وإيران فجّرت الخلاف، وانتهى الأمر بأن أقال «الأبُ» نجلَه الضالّ في أواسط 1981 فعاد مهدورَ الدم من حيث أتى، واستقرّ مجدّداً لاجئاً في باريس.
إذاً، وخلال 17 شهراً فحسب، عاد بني صدر شخصاً مجهولاً بعدما تدرّج رئيسَ جمهوريّة ثمّ خائناً متآمراً. إنّها أقصر الطرق من «قبل الثورة» إلى «بعد الثورة».. كلّ هذا كان يحصل بحركة يد أو رفّة جفن من الخمينيّ. ما من يسائل. ما من يناقش. المسألة بيتيّة بين أب وابنه.
المؤكّد أنّ بني صدر حين التحق بذاك الأب كان على بيّنة من أفكاره المُعتمة ومن شخصه الطاغي. كان يعرف بالتأكيد أنّه هو مَن أسّس نظريّة ولاية الفقيه وتحكّم رجال الدين، وكان يعرف رأيه بالمرأة وبالديمقراطيّة وبالإصلاح الزراعيّ... وفي هذه المواقف كلّها يستحيل العثور على بقعة ضوء واحدة.
هنا ثمّة ما يتجاوز تجربة بني صدر إلى مثقّفين كثيرين افتُتنوا بفكرة بعينها أو بقائد بعينه جعلوه أباً لهم، فغضّوا النظر عن أمور كثيرة لينتهي بهم الأمر منبوذين أو مسجونين أو مقتولين. أمّا الذين نجوا من تلك الأقدار فقضوا الشطر الأخير من حياتهم يصفون مرارة التجربة أو خدَر الوعي الذي أصابهم أو تعرّضهم لخديعة ما... وفي الحالات جميعاً، بدا أن الأوضاع التي ساهم هؤلاء في إقامتها أسوأ من الأوضاع التي ساهموا في إطاحتها. يصحّ ذلك بقياس مصالح الشعب والوطن، ولكنْ خصوصاً بقياس أحوالهم الشخصيّة ذاتها.
ففي تجربة بني صدر ملامح نراها على نحو أو آخر في تجارب إيرانيّين آخرين كابراهيم يزدي أو صادق قطب زادة، أو مثقّفين روس وغربيّين، وخصوصاً فرنسيّين، افتُتنوا بستالين، أو مثقّفين عرب، كميشيل عفلق أو منيف الرزّاز أو حسن الترابي ممّن وجدوا أنفسهم يبشّرون بقياديّة صدّام حسين أو برؤيويّة حافظ الأسد أو عمر البشير.
وقد يرى البعض في الانتهازيّة وركوب الموجات ما يفسّر الظاهرة، إلاّ أنّ الأمر، في أغلب الظنّ، أعقد وأوسع نطاقاً، وأشدّ اتّصالاً بعالم تنعدم فيه الديمقراطيّة والسياسة فيما تطفح الأساطير والوعي الرؤيويّ الخارق.
فهناك قوّة الأسطورة حين تستولي على عقل المثقّف، وهو تعريفاً صانع الأساطير ومهندسُها. هذه الأسطورة توضّب قائداً أسطوريّاً يلازمها، فيسحر المثقّف ويخدّره، إلى حين، كما كان أمر بني صدر مع الخميني، أو إلى الأبد، كما كان حال غوبلز مع هتلر. وبموجب الأسطورة، يتراءى للمثقّف المعزول أنّ الزعيم سوف يضعه في قلب الجماهير العريضة ويعيّنه صانعاً للتاريخ، إلاّ أنّ الزعيم لا يلبث أن يسحبه من الموقعين ويرميه في الزنزانة أو يُهديه للمقصلة.
هناك أيضاً الخديعة التي تمارسها الثقافة على المثقّف، فتسلّحه بما يظنّه الصواب المطلق والمنسجم، أو الفضيلة التي ينبغي فرضها بما ينشئ ديكتاتوريّة الفضيلة. هكذا يروح يتوهّم إعادة تأسيس التاريخ، مرّة بعد مرّة، من صفر، فيما يكون هو وحده الرقم الذي يضفي على الفراغ المعنى. والأشباح والأخْيِلة هذه غالباً ما تلد نظريّات في العمل السياسيّ تغلّب دائماً «التناقض الرئيسيّ» وتنسى كلّ أمر آخر بما في ذلك أفكار القائد المريضة وشخصه المستبدّ. فالمهمّ، في حالة بني صدر، إطاحة الشاه وإزالة النفوذ الأميركيّ وليكن ما يكون. وبعض «ما يكون» نهاية بني صدر كائناً مجهولاً في باريس.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعد من أبو الحسن بني صدر أبعد من أبو الحسن بني صدر



GMT 16:55 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الحلّاق الإيراني ورقبة السلطان

GMT 16:53 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

«عاشوراء» إيرانية في سماء إسرائيل

GMT 16:51 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

تواصل جاهلي

GMT 16:48 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

GMT 16:43 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

معركة الاتحاد غير العادلة

نانسي عجرم بإطلالات عصرية جذّابة

بيروت ـ صوت الإمارات
النجمة اللبنانية نانسي عجرم دائمًا ما تطل علينا بإطلالات جذابة تجعلها حديث الجمهور، خاصة وأنها تعتمد على الظهور بأزياء أنيقة يكون غالبًا شعارها البساطة التي تلائم هدوء ملامحها، ومؤخرًا خطفت نانسي عجرم الأنظار بإطلالة جذابة أيضًا جعلتها محط أنظار محبيها اعتمدت فيها على صيحة الشورت، وهي الصيحة التي سبق وقد ظهرت بها من قبل في أكثر من مرة، فدعونا نأخذكم في جولة على أجمل إطلالاتها بهذه الصيحة التي نسقتها بطرق متعددة. تفاصيل أحدث إطلالات نانسي عجرم بصيحة الشورت نانسي عجرم خطفت أنظارنا في أحدث ظهور لها بإطلالة اعتمدت فيها على صيحة الشورت، وتميزت بكونها ذات طابع يجمع بين العملية والكلاسيكية، حيث ظهرت مرتدية شورت جلدي مريح باللون الأسود وبخصر مرتفع. فيما نسقت مع تلك الإطلالة توب باللون الأبيض بتصميم مجسم مع فتحة صدر مستديرة، ونس...المزيد

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 21:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 11:25 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 08:05 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أخطاؤك واضحة جدّا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:01 2019 الأحد ,11 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 08:38 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:29 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

بيجو 508 موديل 2018 الجديدة تظهر بتصميم جريء

GMT 21:42 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

مهرجان الدمى العملاقة فى شوارع لشبونة

GMT 15:23 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

دار كريستي للمزادات تبيع إحدى أهم اللوحات الفنية في التاريخ
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates