عن الشوّافات والذباب الالكتروني

عن "الشوّافات" و"الذباب الالكتروني"

عن "الشوّافات" و"الذباب الالكتروني"

 صوت الإمارات -

عن الشوّافات والذباب الالكتروني

عريب الرنتاوي
بقلم - عريب الرنتاوي

لطالما تساءلت صغيراً، عن سر "الشوّافات" التي يحيط بها أصحاب العربات التي تجرها البغال، عيون بغالهم، إلى أن عرفت السرّ لاحقاً: ضمان السير في اتجاه واحد، فلا يرى عن يمنيه أو شماله شيئاً، رأيت المشهد ذاته في مصر وتونس كذلك، حيث تدور الجمال والجواميس في حلقة مفرغة حول ساقية الماء، إلى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، أو تعجز عن مواصلة الحركة والعمل.
 
في عالم الفكر والإيديولوجيا والسياسة، ثمة من يصرون على ارتداء هذه "الشوّافات"، فلا يعودوا يبصرون غير ما يريدون إبصاره، أو ما يُفرض عليهم إبصاره...لكأن انحيازاتهم الغريزية المتوترة، أعمت أبصارهم وبصائرهم، فما عادوا يرون شيئاً في هذا الكون على اتساعه، سوى ما يتيحه لهم "خرم الإبرة" المتبقية لهم للإطلالة على العالم.
 
إن أنت قلت إن بعض سلوك السلطة في رام الله، لا يستقيم مع التزاماتها حيال شعبها، هبّت عليك رياح الانتقادات: انظر ماذا تفعل حماس في غزة...وإن أنت نددت بسلوك غير إنساني لـ"شرطة حماس" صبيحة اليوم التالي، يأتيك من يذكرك بسلوك "شرطة عباس".
 
إن أنت قلت إن نظام الأسد قارف جرائم ضد شعبه ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، طلع عليك من يتلو على مسامعك قصصاً وحكايات مروّعة عن سلوك المعارضة الإجرامي...وإن أنت تحدث عن بنادق المعارضة المعروضة للإيجار في ليبيا وقبلها وبعدها، خرج عليك من يذكرك بأن الأسد جعل من جيش سوريا برمته، بندقية للإيجار في أيادي الروس والإيرانيين.
 
إن أنت قلت إن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، كما فعلنا بالأمس، سلوك استفزازي في معناه وتوقيته ودلالاته، خرج عليك من يسرد لك قائمة بالمساجد التي تحولت إلى كنائس وزرائب ومواخير، لكأنك إن انت انتقدت القرار بشأن آيا صوفيا، تكون أجزت سلوكاً بربرياً واستفزازياً أقدم عليه آخرون ضد مساجد المسلمين ودور عبادتهم، أو لكأنه يتعين عليك في مقالة واحدة، من 500 كلمة كحد أقصى، أن تُقلّب صفحات التاريخ منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا.
 
وإن أنت عرضت لأرقام رسمية حول حجم التطبيع الاقتصادي والتجاري بين تركيا وإسرائيل، يعيّرونك ببعض القادة العرب المهرولين بخفة ونذالة للتطبيع مع دولة الاحتلال والعنصرية، لكأنك ناطق باسمهم، أو مدرج على كشوفهم لـ "المؤلفة جيوبهم"، مع أنك في عشرات المقالات والندوات والمقابلات السابقة، كنت ذهبت إلى نهاية الشوط في نقدهم والتنديد بهم، حتى في المقالة ذاتها، لم يَفُتكَ أمر انتقادهم وإدانتهم...لابسوا "الشوّافات" إيّاها، لا يطيقون صبراً ولا يمتلكون ذاكرة...لا يطيقون صبراً حتى قراءة المقالة لنهايتها، أما ذاكرتهم، فلا تحتفظ بأي شيء مما كتبت طيلة أزيد من عقود ثلاثة...كل ما يستفزهم ويستنفر غرائزهم، أنك أتيت على ذكر "المقدس" الذي لا يرون غيره، من خلف "شوّافاتهم".
 
لا يخلو الأمر من "تنمر افتراضي" يصاحب سلوك حَمَلة "الشوّافات"، وبعضهم ينتمي لفصيلة "الذباب الالكتروني"...فيكفيه أنه قام بتحميل "تغريدة" أو "بوست"، أو كتب على "جروب واتس أب" بضعة أسطر مناصرة لفلسطين والأقصى، حتى يظن أنه "أدى قسطه للعلى"، ويشرع في اتهامك انت، الذي قضيت الردح الأكبر من عمرك، مقاتلاً بالقلم، والرصاص حين اقتضى الأمر، ضد العدو المحتل لأرضك والمشرد لشعبك، بالتقصير والخيانة والتخلي، ويبدأ من موقعه "المتفوق" هذا، أو هكذا يظنه، برسم أولوياتك، وما عليك فعله وتناوله، وما يتوجب عليك تفاديه وتحاشيه.
 
نحمد الله أن حملة "الشوّافات" ليسوا كثرة في أوساطنا، مع أن ضجيجهم، وطنين ذبابهم، يكاد يوحي بأنهم أكبر من ذلك بكثير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الشوّافات والذباب الالكتروني عن الشوّافات والذباب الالكتروني



GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:23 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

بمناسبة المسرح: ذاكرة السعودية وتوثيقها

GMT 09:05 2013 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتمال أكثر من 80 % من مشروع برزان للغاز في قطر

GMT 17:32 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

نيرمين الفقي تظهر في قمة رشاقتها خلال تواجدها في "الجيم"

GMT 12:27 2013 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

شركة أبوظبي الوطنية للطاقة تطور حقلاً في بحر الشمال

GMT 11:22 2013 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

روسيا والصين توقعان اتفاق على شروط شراء وبيع الغاز الطبيعي

GMT 00:58 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

منصة " 360"eLearn تطلق البث التجريبي لقسم المدرسين

GMT 11:24 2013 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية للكهرباء توقع 8 عقود بقيمة 3.1 مليار ريال

GMT 12:50 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

عبير منير تكشّف عن طبيعة دورها في مسلسل "كارمن"

GMT 17:29 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مضاد حيوي قادر على قتل خلايا سرطان الثدي

GMT 12:59 2013 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

معرض عن الأحلام في لوحات رسامي عصر النهضة في باريس

GMT 20:49 2013 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

حاتم عبد اللطيف ضيف برنامج "كشف حساب"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates