مناضلو المؤتمرات

مناضلو المؤتمرات

مناضلو المؤتمرات

 صوت الإمارات -

مناضلو المؤتمرات

بقلم : عريب الرنتاوي

أعرف حفنة من الدول، اشتهرت في السنوات العشر الأخيرة بما يمكن تسميته «سياحة المؤتمرات»، لبنان وتركيا وتونس كردستان العراق، من أبرزها ... في هذه الدول، لست بحاجة إلى كبير عناء لتنظيم مؤتمر أو عقد ورشة عمل، يكفي أن تتفق مع «أوتيل» على استئجار القاعة وحجز عدد من الغرف الكافية للمشاركين، وبعد ذلك تتولى الجهات الأمنية بطرقها الخاصة، ومن دون أن تظهر على الصورة، معرفة القادمين والمغادرين واسم المؤتمر ومواضيعه ومداولاته، وكل ما يلزمها معرفته.

ملايين الدولارات انهمرت على هذه الدول على شكل أسعار تذاكر وأجور فنادق وخدمات اتصالات ومواصلات، مطاعم وسياحة ومشتريات ... كثير من المؤسسات في دول أخرى  باتت تلجأ إلى هذه الدول لتنظيم أنشطتها تفادياً للإجراءات الأمنية والبيروقراطية المعتادة ... «سياحة المؤتمر» لم تكن للحظة سبباً في اهتزاز أمن الدول المذكورة، والدول التي لا تتمتع بهذا النوع من السياحة ليست في وضع أمني أفضل بكثير.

ما علينا، فهذا ليس موضوعنا

لله في خلقه من عباده السائحين شؤون ...وبعضهم اختص بـ «سياحة المؤتمرات»، تجده اليوم في بيروت وغدا في طهران وبعد غد في إسطنبول ... أسماؤهم تكتب على جوازات سفرهم مثلما تكتب أسماؤنا، بيد أنهم ومنذ عشريات عديدة من السنين، لا يقدمون من على منصات المؤتمرات المتناسلة التي يشاركون فيها، إلا بوصفهم مناضلين، وأحيانا «مناضلين كبار» تمييزاً لهم عمن لم يشاركوا بعد إلا بحفنة من المؤتمرات ... وفي أحيان أخرى، يقدمون بوصفهم «شيوخ المناضلين» في إشارة إلى أن معظمهم قضى الثلاثين عاماً الأخيرة، متنقلاً بين مؤتمر وآخر.

أعرف حفنة من هؤلاء، يتوزعون على عدد كبير من المؤتمرات، الدائمة والمتقطعة وتلك التي تقعد لمرة واحدة فقط ... والأغرب أنهم أعضاء مستقرون في عشرات لجان المتابعة لنتائج المؤتمرات التي يشاركون فيها، بعضها يسمى «لجنة متابعة» بعضها الاخر، يسمى أمانة عامة، ولإعطاء دلالة على تميز مؤتمر بعينه أو أهميته الاستثنائية الفائقة، تسمى اللجنة المنبثقة عنه «اللجنة الدائمة» او «الأمانة الدائمة»، في إيحاء إلى أعلى درجات  التعبئة والاستنفار التي عاشها المؤتمر والمؤتمرون، والذين عادة ما يكونون قد فرغوا من مناقشة أهم قضايا العصر.

للمفارقة، أعرف بعضهم من النوع «العابر للمحاور وخطوط المذاهب» ... تراه في مؤتمر طهران لدعم فلسطين والانتفاضة، ويفتقده زملاؤه في اليوم التالي للمؤتمر، لا وقت لديه لإضاعته على الإطلاق، فهو عضو في مؤتمر إسطنبول للشتات الفلسطيني، ليس لديه المتسع من الوقت ليصرفه في جلسات الثرثرة أو حتى التقاط الأنفاس ... فما أن أغلق ملف «تصعيد خيار المقاومة» في طهران، حتى انتقل سريعاً لإنقاذ الشتات ومنظمة التحرير ... هو في الأول، من المرشحين بقوة للأمانة الدائمة وفي الثاني هو أمين «فوق العادة»، وفي الثالث ربما رئيس هيئة أركان.

ليس لدى هذه النوعية من «مناضلي المؤتمرات» ولجانها الدائمة وأماناتها العامة الوقت لتحضير أوراق العمل أو حتى قراءتها ... هم يحفظون عن ظهر قلب ما الذي يتعين قوله، وهم جاهزون على الدوام لإدخال بعض التعديلات وتقديم بعض الفقرات وتأخيرها تبعاً لمقتضيات الحال ... في إسطنبول ليست هناك حاجة لاستهلاك الطاقة في حديث المقاومة، هناك أولوية أخرى تتمثل في نقد «القيادة المتنفذة» ... في طهران، الحديث أجدى عن «خيار المقاومة والممانعة»، وفي المغرب عن وحدة الأحزاب القومية واليسارية، ولا بأس إن ضمت إليها الإسلامية كذلك، ما الذي سيكلفه ذلك.

وفي كل العواصم، يتعين الحديث عن مناهضة التطبيع مع «الكيان»، لا حاجة لإتمام العبارة كأن يقول «الكيان الصهيوني»، كلمة الكيان تكفي، فالجميع سيفهم هذه اللغة «المشفرة» لفرط استخدامها في سياحة المؤتمرات ... ولا بأس من تطوير عبارات من نوع: نهج التسوية، لتصبح «النهج التسووي» ففي ذلك تحقير أكبر للنهج وأصحابه وتابعيه وتابعي تابعيه ... ويمكن أن تستبدل كلمة «النهج» بـ «العقلية» أو «الخيار»، فاللغة فضفاضة، ولا يضير أحد اللجوء إلى مترادفاتها، أو حتى الغوص عميقاً إن أمكن، في السجع والطباق والجناس وغيرها من المحسنات اللفظية.

لا وقت للنضال عند «شيوخ المناضلين وكبارهم»، إلا بين رحلة وأخرى، ومن مطار إلى آخر، جل وقتهم مصروف في «المتابعة» والسهر على تنفيذ «التوصيات الختامية»، مع أننا لا نعرف ماذا يتابعون ومن يتابعون ولم نر أياً من توصياتهم المتراكمة وقد وجدت طريقها إلى حيز التنفيذ.

تربطهم ببعض زمالات عميقة، يعرفون أدق التفاصيل عن بعضهم البعض، وعن أحوال أسرهم وأقرانهم وأمراضهم وقياسات الضغط والسكري والكوليسترول وأحياناً أوضاع «البروتسات» لدى كل واحدٍ منهم، فهم دائمو الحديث في هذه الموضوعات على هوامش المؤتمر وفي قاعات المطارات وعلى متون الطائرات، أي في كل أوقاتهم ... يعرفون تمام المعرفة كافة مفردات المطبخ الشرقي والمغاربي والإيراني والتركي والخليجي، وقلة منهم لديها صلة أوسع مع العالم الخارجي، وامتدادات إلى قارات خارج نطاق الشرق الأوسط الكبير.

كافة هذه المؤتمرات تنتهي بالعادة بالتوصية المتكررة: حث الدول والأطراف المقتدرة على توفير المستلزمات المطلوبة لإنفاذ التوصيات والنتائج الختامية، فالمقاومة بحاجة إلى مقدرات مالية، وجمع الشتات ومحاربة التطبيع والتقريب بين المذاهب والإيديولوجيات، جميعها مهام جسام، تتطلب مستلزمات ومقدرات، فمن أين سيصرف هؤلاء الذي لا يعملون شيئاً في حياتهم سوى حضور المؤتمرات والتحضير لها، وأين سيمارسون هواياتهم في التخطيط للمزيد منها إن لم يكن هناك مقر للأمانة العامة أو لجنة المتابعة، وهذه بدورها بحاجة لموظفين وفراشين مختصين بصنع الزهورات والكركديه، فمعداتهم لم تعد تحتمل القهوة والشاي، وثمة سلسلة من «المقدرات» و»المخصصات» التي يتعين توفيرها، كل ذلك ليس من أجلهم لا سمح الله، بل لتوفير كافة مستلزمات النضال ضد «الكيان» ومن يقف وراءه وإلى جانبه ومن فوقه ومن بعده.

المصدر : صحيفة الدستور
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مناضلو المؤتمرات مناضلو المؤتمرات



GMT 20:24 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 19:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 19:28 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

حتى لا تصرفنا أزمات الداخل عن رؤية تحديات الخارج

GMT 20:21 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيلي حيال الأردن

نانسي عجرم بإطلالات عصرية جذّابة

بيروت ـ صوت الإمارات
النجمة اللبنانية نانسي عجرم دائمًا ما تطل علينا بإطلالات جذابة تجعلها حديث الجمهور، خاصة وأنها تعتمد على الظهور بأزياء أنيقة يكون غالبًا شعارها البساطة التي تلائم هدوء ملامحها، ومؤخرًا خطفت نانسي عجرم الأنظار بإطلالة جذابة أيضًا جعلتها محط أنظار محبيها اعتمدت فيها على صيحة الشورت، وهي الصيحة التي سبق وقد ظهرت بها من قبل في أكثر من مرة، فدعونا نأخذكم في جولة على أجمل إطلالاتها بهذه الصيحة التي نسقتها بطرق متعددة. تفاصيل أحدث إطلالات نانسي عجرم بصيحة الشورت نانسي عجرم خطفت أنظارنا في أحدث ظهور لها بإطلالة اعتمدت فيها على صيحة الشورت، وتميزت بكونها ذات طابع يجمع بين العملية والكلاسيكية، حيث ظهرت مرتدية شورت جلدي مريح باللون الأسود وبخصر مرتفع. فيما نسقت مع تلك الإطلالة توب باللون الأبيض بتصميم مجسم مع فتحة صدر مستديرة، ونس...المزيد

GMT 18:15 2013 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

"البوطينة" العملاق أسرع حاسوب في الإمارات

GMT 13:50 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

غوغل تطلق ميزة Fast Pair للربط بين أجهزة أندرويد المختلفة

GMT 19:57 2019 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

تتحدى من يشكك فيك وتذهب بعيداً في إنجازاتك

GMT 17:52 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

تجهيزات فريدة لقاعات الأفراح تخطف الأنظار

GMT 10:21 2014 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

كوريا الجنوبية تفوز في أولمبياد علم الفلك الدولية

GMT 04:21 2013 الإثنين ,27 أيار / مايو

فيلم فلسطيني يفوز في "كان" عن فئة "نظرة ما"

GMT 05:19 2013 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

في الظل دراما بوليسية في الخمسينات

GMT 13:29 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

ظهور ميلانا ترامب في إطلالة ساحرة بتصاميم ديور

GMT 16:41 2013 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

"hp" تطلق رسميًا أوّل حواسبها المحمولة بنظام "Chrome"

GMT 05:32 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط وصلاله يصعدان للدوري العماني للمحترفين

GMT 14:16 2013 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

كفاح "العمال" من اجل بريطانيا أكثر عدالة موضوع فيلم وثائقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates