عن الصحراء الغربيةشيء من الذكريات وحديث عن الابتزاز والتطبيع

عن الصحراء الغربية...شيء من الذكريات وحديث عن الابتزاز والتطبيع

عن الصحراء الغربية...شيء من الذكريات وحديث عن الابتزاز والتطبيع

 صوت الإمارات -

عن الصحراء الغربيةشيء من الذكريات وحديث عن الابتزاز والتطبيع

عريب الرنتاوي
بقلم - عريب الرنتاوي

في أواسط ثمانينات القرن الفائت، أتيحت لكاتب هذه السطور، فرص التعرف ميدانياً وعن كثب، على كثير من فصول وخبايا، ما يُعرف بأزمة الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب...تيسرت له فرصة زيارة الصحراء من الجانب الجزائر، وعبر بوابة "تندوف" ومعسكراتها...لتتاح له بعد ذلك بقليل من الوقت، فرصة زيارة الصحراء من الجانب المغربي، ومن بوابة العيون وسمارة.
وخلال تلك الزيارات، التي ستتكرر فيما بعد، توفرت له، مناسبات عديدة، للقاء عدد وافر من المسؤولين والمثقفين والمواطنين، من أطراف هذه المعادلة الثلاثية، لتتعزز لديه القناعة، بأن ما يجري هو صراع جيو-سياسي بين أكبر دولتين في المغرب العربي، وأن قضية "استقلال الصحراء" و "حق شعبها في تقرير مصيره"، قد جرى "النفخ" فيها وتضخيمها، كما لم يحدث من قبل.

بخلاف الجزائر، التي تميل رسمياً، لاعتبار الصراع في الصحراء وعليها، شأنا مغربياً – صحراوياً، وتنظر لدعمها "المطلق" لجبهة "بوليساريو" بوصفه ضرباً من التضامن مع شعب شقيق مجاور، فإن زيارتي الأولى للمغرب، للمشاركة في المؤتمر التأسيسي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التنظيم اليساري الوريث لجماعات 23 مارس وإلى الأمام وغيرهما من المجموعات "الثورية"، أكدت لي بما لا يدع مجالاً للشك، بأن الصحراء قضية وطنية مغربية أولى بامتياز، وأنها تندرج في صميم مفهوم "السيادة" و"الوحدة الترابية"، وكان لافتاً ذلك الهتاف الذي استقبلني به الرفاق المؤتمرون: "فلسطين عربية والصحراء مغربية".
زيارتي الأولى للصحراء، من الجانب المغربي، أكدت لدي ما كان يأخذ شكل "انطباعات" و"ومواقف أولية" من هذه المسألة: الصحراء مغربية، وهي انطباعات ومواقف كانت تعاكس "التيار السائد" في أوساط اليسار الفلسطيني والعربي وتوجهاته في تلك الأزمنة...فاليسار العربي، بعمومه، كان صديقاً للجزائر، والمغرب في تلك الأزمنة، كانت على علاقة "عدائية" مع اليسار بعمومه، امتدادا لفلسفة الحرب الباردة وتحالفاتها...لم أتردد في الاستجابة لدعوة مغربية شبه حكومية لزيارة الصحراء، مع أن أغلب اليسارين العرب في المؤتمر المذكور، رفضوا الدعوة، ولم أتردد في البوح بتأييدي لمغربية الصحراء، في أحاديث إذاعية وتلفزيونية أدليت بها من مدينة العيون، عاصمة الصحراء.

لم أكن أعرف، أن ثمة على الضفة الأخرى من الصحراء، من يرصد هذه الإذاعات والشاشات، ويسجل مع يبث على فضاءاتها وأثيرها...فما أن وطأت قدماي أرض دمشق، حيث كنت أقيم، عائداً من أول زيارة لي للمغرب والصحراء، حتى فوجئت باستدعاء من قبل نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الراحل أبو علي مصطفى، للتحقيق معي في تفاصيل زيارتي وتصريحاتي التي تخالف الموقف الرسمي للجبهة واليسار...لم يستغرق النقاش طويلاً، فقد "اعترفت" بما نسب إلي من "اتهامات"، وتلقيت بعد عدة أيام، عقوبة "التنبيه" على ما اقترفت من تجاوز على الموقف الرسمي.
عرفت ما أن جلست قبالة الرفيق أبو علي، أن وفداً من "بوليساريو" كان استبقني إلى دمشق، محملاً بالتسجيلات التي تثبت تجاوزاتي، وأن سفير الجزائر الشقيقة في دمشق، قد تبلغ بدوره بفعلتي النكراء، وقام بالاستفسار من مركز الجبهة: الأصدقاء في الجزائر و"البوليساريو" افترضوا على ما يبدو، أن تغييراً قد طرأ على مواقف الجبهة، وربما حلفائها من اليسار اللبناني، لهذا سارعوا إلى الاستفسار...لا أظن أن أحداً منهم، كان مهتماً بالتعرف على مواقفي الشخصية من هذه المسألة.

لم يكن موقفي من قضية الصحراء نابعاً من انحيازات ودوافع شخصية، ولو كان الأمر كذلك، لكنت تبنيت من دون قيد أو شرط، موقف الجزائر وبوليساريو، فالمغرب حتى تاريخه، كان مغلقاً في وجوهنا، بل ويناصبنا العداء، حتى أن وجود أعداد من مجلة "الهدف" الفلسطينية في بيت أي يساري مغربي، كان كفيلاً بإثبات تهمة "التآمر" عليه للإخلال بالنظام...في حين، كنت زائراً منتظماً للجزائر التي احتضنت المؤتمرات التوحيدية للمنظمة واتحاد الكتاب والصحفيين، وكانت حاضنة دائفة من حواضن الحوار الوطني الفلسطيني، ولكم كنت أشعر بالامتنان، لمنحي جواز سفر جزائري، استخدمه في حلي وترحالي، زمن الأحكام العرفية وقراراتها الجزافية بمنع تجديد جوازات سفر "المطلوبين" و"المعارضين" في الأردن.
لكن قضية الصحراء كانت دائما تضعني أمام ما سأسميه لاحقاً بـ"ازدواجية معايير" اليسار الفلسطيني والعربي في تلك الأزمنة...إذ لمجرد أن لهذا اليسار علاقة وطيدة مع الجزائر، ويتلقى منها بعض الدعم المالي، كان يلهج بشعارات تقرير المصير لشعب الصحراء، حتى وإن أدى الأمر لتفتيت الوحدة الترابية لبلد عربي أساسي آخر: المغرب...في حين أن اليسارين العرب، ابتلعوا ألسنتهم، وصمتوا عن حق الشعب الإريتري في تقرير مصيره، ما أن وصل "اليساري المتشدد"، مانغيستو هيلا مريام، إلى سدة الحكم في أثيوبيا، مع أن هذا اليسار، سبق وأن دعم الجبهة الشعبية لتحرير أرتيريا بزعامة أسياس أفورقي، وغيرها من فصائل يسارية قاتلت في سبيل الاستقلال عن أثيوبيا، تحت التاج الإمبراطوري لهيلا سيلاسي.

وبدل تشجيع "الرفيق" مريام على تفهم حق الشعب الإريتري الشقيق بتقرير المصير، انهمك اليسار الفلسطيني واللبناني (الجبهة الشعبية والحزب الشيوعي اللبناني)، بالعمل على إنشاء مثلث الصمود المقاوم: (ليبيا/القذافي، أثيوبيا / مريام، واليمن / علي ناصر محمد)...خابت الرهانات، وطاشت أسهم الرفاق: سقط مانغيستو، واستقلت إريتريا لتصبح تحت حكم "الرفيق" أفورقي "كرة مصمتة"، لا يشبهها سوى كوريا الشمالية وألبانيا في عصر "الرفيق" أنور خوجة...أما قضية الصحراء وحق شعبها في تقرير مصيره، فلم يكن لها من دور سوى في تعطيل قدرات وموارد أكثر من 80 مليون عربي في المغرب والجزائر، لم يهنئوا بالأمن والسلام والاستقرار منذ أزيد من أربعة عقود.
نستحضر كل هذه الذكريات والسرديات، ونحن نرى قضية الصحراء مجدداً، تعود لتفعل فعلها في تهديم جدران التضامن العربي، وإضعاف المواقف المساندة لشعب فلسطين وقضيته الوطنية...فقضية الصحراء، كانت بمثابة "اليد المجروحة" التي ضغطت عليها إدارة ترامب لدفع الرباط لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل...واعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، وتأييدها لمشروعها منح "حكم ذاتي" لأهلها في إطار من السيادة المغربية، إنما جاء بمثابة "جائزة الترضية" التي يمنحها من لا يملك إلى من يستحق، ولا نقول من لا يستحق، ولو أن ترتيباً كهذا، جرى التوصل من داخل البيت العربي، وبصورة توافقية، لما أمكن لترامب ولا لنتنياهو، التسلل من هذا "الشق" إلى عمق الأمن القومي العربي والمغاربي.

نستحضر هذه الذكريات، ونحن نعرف، أن "السلام" الذي يفاخر كوشنير بتشييد صروحه بين المغرب وإسرائيل، ليس في واقع الحال، سوى بذرة تصعيد وتوتر جديدة، تزرعها إدارة ترامب بين المغرب والجزائر، و"البوليساريو" بينهما...ولو أن هذه الإدارة "مسكونة" فعلاً بهاجس إشاعة السلم والاستقرار والتعاون، لألقت بكامل ثقلها خلف المبادرات الأممية والافريقية (من أسف لا مبادرات عربية) الرامية حل هذا النزاع بصورة ترضي مختلف أطرافه...ترامب وإدارته، لا يتورعان عن اللجوء إلى أكثر وسائل الضغط والابتزاز ابتذالاً، طالما أن المطلوب هو "تسويق" إسرائيل و"تسويغ" التطبيع معها...المغرب هو الحلقة الرابعة، بعد الحلقتين الإماراتية والبحرينية، والحلقة السودانية، ولا ندري ما إذا كانت "جراب الحاوي" الأمريكي، ما زال يحتفظ بالمزيد من المفاجآت، في ربع ساعته الأخير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الصحراء الغربيةشيء من الذكريات وحديث عن الابتزاز والتطبيع عن الصحراء الغربيةشيء من الذكريات وحديث عن الابتزاز والتطبيع



GMT 00:45 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

«حماس» وإيران وثمار حرب غزّة!

GMT 00:44 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

ما بعد التعويم ؟!

GMT 00:42 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

مستعربون عاربون وعاربات مستعربات

GMT 00:41 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

بوتين... تفويض باستكمال الطوفان

GMT 00:38 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

المتنبّي في الجوف السعودية!

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ صوت الإمارات
المخرجة اللبنانية نادين لبكي باتت حديث الجمهور خلال الساعات الماضية بعد أن تم اختيارها لتكون عضوا في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لنسخة مهرجان كام السينمائي الـ77، والتي ستقام ما بين 14 و25 مايو القادم، وذلك بعد أن سبق لنادين لبكي وقد شاركت كعضو في لجنة تحكيم في مهرجان كان السينمائي ضمن مسابقة "نظرة ما" عام 2015، وبمجرد أن تم الإعلان عن الخبر حرص جمهور نادين لبكي على تسليط الضوء على أجمل إطلالاتها التي ظهرت بها في بعض المهرجانات الفنية والتي تميزت بالبساطة والرقي في كل مرة. نادين لبكي سبق وقد ظهرت في إحدى الفعاليات الفنية بأحد المهرجانات مؤخرًا وهي مرتدية فستان باللون الأسود الذي يبدو وأنها تعشق الظهور به باستمرار، وجاء الفستان طويلًا ومجسمًا وبصيحة الكب، مع فتحات عند منطقة الخصر، وانسدل الفستان مريحًا بداية من تلك المنطقة�...المزيد

GMT 17:07 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

دبي تستضيف "سوق السفر العربي 2024" الاثنين
 صوت الإمارات - دبي تستضيف "سوق السفر العربي 2024" الاثنين

GMT 17:12 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

"مهرجان دبي للمأكولات" يواصل فعالياته
 صوت الإمارات - "مهرجان دبي للمأكولات" يواصل فعالياته

GMT 10:29 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

افتتاح معرض الأسر المنتجة في محافظة أحد المسارحة

GMT 13:38 2013 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

مصر: طاقة الرياح غير كافية لاستخدامها في الصناعات

GMT 21:42 2012 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"رايحين على فين؟" يرصد حالة الشباب في فترة الانتخابات الرئاسية

GMT 00:24 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

أحدث صيحات ديكور المنازل المناسبة لشهر رمضان

GMT 18:52 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

قدمي تشيز كيك عيش السرايا للشيف سالي فؤاد

GMT 13:06 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات كبيرة في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 15:59 2019 الإثنين ,11 شباط / فبراير

الأطعمة التي يجب تجنبها عند الإصابة بالسكري

GMT 19:10 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أبرز المعالم في النمسا لتزوريها في شهر عسلك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates