الأكراد وصراع الأقطاب الثلاثة

الأكراد وصراع الأقطاب الثلاثة

الأكراد وصراع الأقطاب الثلاثة

 صوت الإمارات -

الأكراد وصراع الأقطاب الثلاثة

بقلم : عريب الرنتاوي

على وقع التجاذبات والاصطفافات الإقليمية الحادة، تطفو الصراعات بين الكيانات الكردية المتنافسة إلى السطح، وتنتقل من التراشق بالاتهامات إلى تبادل إطلاق النار ... قبل بضعة أيام، كانت كركوك وحقولها النفطية، ساحة صراع مكشوف بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، الأول بزعامة جلال الطالباني والثاني بقيادة مسعود البارزاني، قبل أن تنتقل المعارك إلى إقليم سنجار، بين قوات البيشمركة التابعة لأربيل، ومسلحين لحزب العمال الكردستاني التركي “بي كيه كيه” بزعامة عبد الله أوجلان.

كركوك ساحة نفوذ تقليدية لحزب “المام جلال”، بيد أن حليفه وخصمه اللدود في الآن ذاته، رئيس الإقليم، يمضي قدما في فرض زعامة فردية – عائلية على الإقليم برمته، ويرسم لنفسه صورة “الزعيم – الضرورة”، وبصورة تذكر بما اعتاد عليه العراقيون زمن الرئيس الراحل صدام حسين، يبرم الاتفاقات النفطية مع أنقرة، بمعزل عن بغداد والسليمانية ومن وراء ظهريهما ... المشهد لم يعد قابلاً للاستمرار، سيما في ظل تفاقم سياسة التهميش المنهجي المنظم المتبعة من قبل أربيل بحق بقية الكيانات الكردية، وبالذات بحق الزعامة التاريخية للرئيس العراقي السابق جلال الطالباني ... بيشمركة السليمانية، حسمت الموقف، وأوقفت ضخ النفط، في مسعى لإنزال البارزاني عن الشجرة.

ليست هذه هي المرة الاولى التي يلجأ فيها الحليفان اللدودان إلى لغة القوة والحسم ... فقد شهد الإقليم معارك ضارية بين القطبين، في أواسط تسعينيات القرن الفائت، حين وصلت جحافل السليمانية إلى قلب أربيل، لولا لجوء البارزاني إلى بغداد وطلبه العون من صدام حسين، الذي أرسل قواته لطرد ميليشيات الاتحاد الوطني ودفعها بعيداً عن عاصمة الإقليم ... والمؤكد أنها لن تكون المرة الأخيرة، طالما أن الإقليم لم ينجح في بناء مؤسساته على أسس ديمقراطية، ولم تقبل زعاماته بلعبة التداول السلمي على السلطة، وتفضل عليها أنماطاً من الحكم العائلي القائم على التجديد والتمديد والتوريث ... صراع القبائل الكردية لن ينتهي، وسيظل كامناً تحت الرماد، طالما ظل التهديد الخارجي ماثلاً، أما في اللحظة التي يتلاشى فيها هذه التهديد، وربما قبل ذلك، سيعود كل فريق إلى رفع رايات قبيلته.

طالباني، الذي يقود حزباً علمانياً، عضو في الاشتراكية الدولية، يحتفظ بعلاقات وطيدة مع طهران، يمليها الجوار القريب بين مناطق نفوذه وحدود الجمهورية الإسلامية ... في المقابل، تحول السيد مسعود البارزاني إلى حليف موثوق لأنقرة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، وأسس علاقة اعتمادية على تركيا في الطاقة والاقتصاد والتجارة، دون إغفال البعد الأمني- العسكري للعلاقة، وهو يقود حزباً محافظاً عشائرياً في الغالب الأعم ... الأول، يظهر قدراً من التقارب والتقرب مع المكونات العراقية، وهو أكثر عقلانية في إدارة علاقاته مع العرب، سنّة وشيعة، فيما الثاني، يظهر ميلاً انفصالياً شديداً، لا تحد من اندفاعاته، سوى حسابات الوضع الإقليمي والدولي، وحاجات الإقليم المستمرة – حتى الآن على الأقل- لعلاقات عضوية مع المركز.

الصراع التركي – الإيراني الآخذ في الاحتدام أخيراً على وقع التحولات و”الاستدارات” التركية المتسارعة، يبدو أنه وصل إلى الإقليم، ميدانياً كما تجلى في “أزمة نفط كركوك” بين الحزبين، وسياسياً في الحراك الانتخابي والسياسي المحتدم حالياً في العراق، حيث ترجح قراءات عدة توزع أكراد العراق على عدد من التحالفات العراقية المتصارعة والمتنافسة.

غير بعيد عن كركوك وأربيل والسليمانية، يقف قطب كردي ثالث، ذو نفوذ مادي ومعنوي هائل في أوساط أكراد المنطقة برمتها، وأعني به حزب العمال الكردستاني “بي كيه كيه” بزعامة السجين الأشهر في تركيا، عبد الله أوجلان الذي لا يبدي البارزاني أي ودّ حياله، بل ويعتبره منافساً قوية لنفوذ عائلته التاريخي، ولطالما قدم تعهدات للأتراك بالعمل معهم على استئصال شأفة أتباعه في العراق، وهو متورط في صراع مع وحدات الحماية والحزب الديمقراطي الكردستاني (صالح مسلم)، لقربه من أوجلان (البعض يصفه بالنسخة السورية من البي كيه كيه).

وإذ سمح البارزاني لقوات تركية بالمرابطة في شمال العراق (معسكر بعشيقة) بالضد من إرادة بغداد لمساعدته في التصدي للأخطار الناجمة عن تمدد داعش في المنطقة، فإن الثمن الذي تعهد بتقديمه في المقابل، هو رأس حزب العمال الكردستاني في إقليم سنجار الذي استعاده الأكراد من داعش تحت مظلة البيشمركة، وإن كانت قوات البي كيه كيه”، هي التي لعبت دور رأس الحربة في قتال داعش في المنطقة وطرده منها.

ساعة الحقيقة في الصراع التاريخي المضمر بين البارزاني وأوجلان على زعامة “الوطنية الكردية” العابرة للحدود، قد أزفت على ما يبدو ... وعلى وقع هذا الصراع، تتكرس صورة البارزاني كحليف لأنقرة، عدوة الأكراد اللدودة، التي تحاربهم في تركيا وسوريا وتطاردهم في العراق... فيما تتقوى مواقع ونفوذ، وتتعزز صور خصومه في السليمانية وجزيرة إيمرلي” في بحر مرمرة.

والمؤكد أن حروب الإخوة الأعداء، وصراعات الأقطاب الثلاثة، ستدفع عواصم إقليمية ودولية للترقب والاستعداد للدخول على خط المواجهات، ولكل منها أغراضه وأجنداته الخاصة به ... إيران القلقة من التمدد التركي ومن استعداء تركيا لها، ستجدها وسيلة لرد الصاع صاعين ... تركيا ستلقي بكل ثقلها خلف البارزاني، فالعلاقة معه هي الوحيدة التي تمكنها من ادعاء عدم استهداف “القومية الكردية” والسعي لاجتثاثها ... أما بغداد، ومعها دمشق، فلهما حسابات مع البارزاني، وحلفه “غير المقدس” مع أنقرة، ترغب في تسويته عندما تحين الفرصة.

المصدر : صحيفة الدستور

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأكراد وصراع الأقطاب الثلاثة الأكراد وصراع الأقطاب الثلاثة



GMT 20:24 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 19:29 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 19:28 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

حتى لا تصرفنا أزمات الداخل عن رؤية تحديات الخارج

GMT 20:21 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيلي حيال الأردن

نانسي عجرم بإطلالات عصرية جذّابة

بيروت ـ صوت الإمارات
النجمة اللبنانية نانسي عجرم دائمًا ما تطل علينا بإطلالات جذابة تجعلها حديث الجمهور، خاصة وأنها تعتمد على الظهور بأزياء أنيقة يكون غالبًا شعارها البساطة التي تلائم هدوء ملامحها، ومؤخرًا خطفت نانسي عجرم الأنظار بإطلالة جذابة أيضًا جعلتها محط أنظار محبيها اعتمدت فيها على صيحة الشورت، وهي الصيحة التي سبق وقد ظهرت بها من قبل في أكثر من مرة، فدعونا نأخذكم في جولة على أجمل إطلالاتها بهذه الصيحة التي نسقتها بطرق متعددة. تفاصيل أحدث إطلالات نانسي عجرم بصيحة الشورت نانسي عجرم خطفت أنظارنا في أحدث ظهور لها بإطلالة اعتمدت فيها على صيحة الشورت، وتميزت بكونها ذات طابع يجمع بين العملية والكلاسيكية، حيث ظهرت مرتدية شورت جلدي مريح باللون الأسود وبخصر مرتفع. فيما نسقت مع تلك الإطلالة توب باللون الأبيض بتصميم مجسم مع فتحة صدر مستديرة، ونس...المزيد

GMT 21:04 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الإمارات تواصل دعم مستشفيات وعيادات رفح في غزة
 صوت الإمارات - الإمارات تواصل دعم مستشفيات وعيادات رفح في غزة

GMT 21:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 11:25 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 08:05 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أخطاؤك واضحة جدّا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 17:01 2019 الأحد ,11 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 08:38 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:29 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

بيجو 508 موديل 2018 الجديدة تظهر بتصميم جريء

GMT 21:42 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

مهرجان الدمى العملاقة فى شوارع لشبونة

GMT 15:23 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

دار كريستي للمزادات تبيع إحدى أهم اللوحات الفنية في التاريخ

GMT 09:02 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ولي عهد الفجيرة يشهد احتفالية اليوم العالمي للتسامح

GMT 08:18 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تستغني عن محطة عائمة للغاز الطبيعي المسال

GMT 07:55 2013 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

"دوران" يشارك في مسابقة أفضل الأفلام القصيرة في كاليفورنيا

GMT 21:15 2014 الجمعة ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مشاركة فلسطين في "مونديال" القاهرة رسالة بأننا شعب حي

GMT 15:44 2015 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

بدء التصويت في الانتخابات التشريعية في البرتغال

GMT 10:18 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

معرض الكتاب يناقش مستقبل "النشر الإلكتروني" في مصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates