عماد الدين أديب
نحن لا نعرف آداب الاختلاف فى الرأى، ولا نعرف كيفية معاملة الخصوم. الذى لا يعرف كيف يتعامل مع الخصم لا يعرف كيف يتفق مع المؤيدين. كل صاحب رأى لدينا أصبح محطة بث شخصية لبث آرائه من نفسه إلى نفسه ولا يخاطب غيره!
الحوار يعنى أنه بين طرف وآخر، أو بين طرف وآخرين، يقوم على الدليل العلمى والأسانيد والوقائع القابلة للطرح والقابلة للمناقشة من الطرف الآخر.
نحن ندخل المناقشات -فقط- كى نطرح ونفرض وجهة نظرنا وليس من أجل -أبداً- أن نختبر ما نؤمن به ونطرحه للجدل، لعلنا نجد فى رأى غيرنا ما يفيدنا وما يمكن أن يصحح لنا ما نؤمن به. نحن أنصار الرأى فى اتجاه واحد فقط وهو اتجاهنا نحن دون سوانا!
ندخل أى حوار، ونحن نؤمن تماماً أننا وحدنا نملك الحق المطلق والحقيقة الكاملة غير القابلة لأى تصحيح أو إضافة أو تعديل!
تاريخ الفكر الإنسانى قام على طرح المبدأ والاستماع إلى نقيضه وطرح الفكرة وامتزاجها بأفكار أخرى، لعلها تؤدى إلى رأى ثالث جديد أكثر قوة وأكثر صواباً وأكثر فائدة للناس.
وحينما قال الإمام الشافعى مقولته الشهيرة «صوابى قد يكون خطأ وخطؤك قد يكون صواباً» فإن هذا العالم الجليل يكون قد فتح أبواب المعرفة الحقيقية على مصراعيها؛ لأن المعرفة لا يمكن أن تنتعش إلا من خلال حرية الحوار والجدل المحترم. ومنذ أيام قامت على وسائل التواصل الاجتماعى فى مصر حوارات مدمرة تقوم على السب والقذف فى الوفد الشعبى الذى رافق رحلة الرئيس إلى ألمانيا، وآخر ما نشر فى هذا الموضوع هو صورة لبعض أعضاء الوفد وهو يتناول الطعام وأمامه زجاجات ملونة قيل إنها زجاجات خمر، وتساءل البعض: من الذى يدفع ثمن هذا الخمر؟!
للمرة المليون ندخل فى التفاهات ونركز على الشكل وننسى المضمون ونطرح ضلالات ونبتعد عن محور الحقيقة.
ولمن لا يعرف فإن هذه الزجاجات هى زجاجات مياه معدنية شهيرة فى ألمانيا وأوروبا، لذلك تصبح القضية كلها لا معنى لها.
وفى أدب الشرع والأخلاق العامة، فإن الافتراء على الخصوم بالكذب هو حرام أو مكروه إلى حد التحريم.
لم نسأل عن الأسئلة الموضوعية الخاصة بنتائج الرحلة الرئاسية، ولم نتوقف أمام الاتفاقات التى تم توقيعها وعن اتفاقيات التعاون الاقتصادى بين البلدين ولم نطرح السؤال الأهم وهو مستقبل تسليم الغواصتين اللتين تعاقدنا عليهما للبحرية المصرية منذ عامين وتم تأجيل تسليمهما.
أيهما أهم: الغواصات أم المياه المعدنية حتى لو كانت خمراً؟!