أفاد الخبير اللغوي عبد القادر الفاسي الفهري، رئيس جمعية اللسانيات بالمغرب، بأنه "كلما توسع انتشار لغة ما زادت ابتعادا عن الهوية الضيقة وتحولت إلى لغة حضارة وانتقلت إلى هوية أوسع"، معتبرا أن هذا ليس عيبا بل فضلا يحسب لهذه اللغة. وأضاف الفاسي الفهري، خلال حفل تكريمي نظمته كلية الآداب والعلوم الإنسانية - أكدال وجمعية اللسانيات بالمغرب اليوم الأربعاء بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية (18 دجنبر) وصدور كتابه "السياسة اللغوية في البلاد العربية"، أن اللغة العربية اغتنت بفعل توسعها من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد فارس والهند وغيرهما، ففقدت بالتالي جزءا من هويتها الضيقة وكبرت وخرجت من القطرية إلى فضاء أوسع.وقال إن اللغة تعرف بكتلتين اثنتين هما كتلة المتكلمين الأوائل بها أو الفطريين وكتلة غير الفطريين أي من تعلموها باعتبارها لغة ثانية أو لغة أجنبية، وإن قوة اللغة تعرف بهاتين الكتلتين، موضحا أن اللغة العربية تتوفر على كتلة فطرية أو شبه فطرية (حوالي 250 مليون نسمة) وكتلة خارجية (العدد ذاته تقريبا) قويتين، وهو علامة صحة.وفي هذا السياق، ذكر الباحث، من باب المقارنة، أن قوة اللغة الإنجليزية تتجلى في ما يصطلح عليه ب"الإنجليزيات العالمية" التي يفوق عدد المتكلمين بها من كتلة غير الفطريين بكثير عدد المتكلمين بها من كتلة الفطريين. بين اللغة والسياسة والبيئة، أوضح أن اللغة تكتسب في بيئة كالأسرة، وتعد مهددة كلما تم إفقادها تدريجيا للتبييء وقطع جذورها، مشددا على ضرورة تحسين بيئة الأسرة أو تغيير البيئة للحفاظ على اللغة العربية، إذ أن الطفل يكتسي اللغة الأولى (لغة المنشأ) منذ طفولته الثانية (من سنتين إلى تسع سنوات)، فيتعين بالتالي تبييء اللغة الفصحى.وأكد أن مفهوم اللغة الأم مفهوم كولونيالي يستخدم لمحاربة لغة ما، فقد استعمله المستعمرون الإنجليز لتمييز لغتهم عن لغة المزدادين في أمريكا كما استخدمت أوساط في فرنسا هذه الحيلة في وقت ما لتفتيت الهوية العربية داخل فرنسا وتفكيك الهوية اللغوية للمغاربيين.وشدد الفاسي الفهري على ضرورة استشارة الخبراء عند وضع سياسة لغوية واعتماد جيو-استراتيجية لغوية ونظام لغوي عالمي يراعي الآخر ويراعي التعدد والاستفتاء حول الخيارات اللغوية دون السقوط في الفوضى، منتقدا إحداث لغة ما في المختبر باعتبار أن تدبير الشؤون اللغوية غير منفصل عن الشأن العام.وبخصوص انتقال اللهجات إلى الفصحى، رأى أنه لا يمكن المقارنة بين الازدواجية العربية والازدواجية الغربية باعتبار أن العربية تكونت كلغة جامعة للهجات مع تغلب لهجة على أخريات وصعود الفصحى كلغة بينية، بطريقة تلقائية لم تنبذ اللهجات، بعد حصول توافق تاريخي منذ البداية، مشيرا إلى أنه بسبب الضغوط الخارجية يتم التفكير في حل الازدواجية والتقريب من الدارجة إلى أبعد الحدود.يذكر أنه تم تنظيم لقاء علمي بالمناسبة ذاتها في موضوع "سياسة اللغة العربية والبيئة والبقاء"، وذلك بتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) واتحاد كتاب المغرب، تضمن أربع جلسات ناقشت "السياسة والثقافة والحقوق"، و"الازدواجية والثنائية والتنوع"، و"عربية النهوض، وعربية الشمول" و"السياسة والتخطيط".