دروس الهلالى

دروس الهلالى

دروس الهلالى

 صوت الإمارات -

دروس الهلالى

بقلم - خالد منتصر

دائماً أتذكره فى ١٨ يونيو وأكرر ما أقوله وقلته فيه لأننى أفتقد هذا النموذج الآن فى مجتمعنا، فى ذكرى قديس المحاماة أحمد نبيل الهلالى أترحّم على الترفع والتواضع والسمو والمهارة والصدق والموضوعية والتجرد التى كانت من سمات هذا الرجل المدهش المبهر الذى تبرّع بثروته من أراضٍ وعقارات ورثها عن والده، آخر رئيس وزراء فى زمن الملكية، وما أدراك ما ثروة رئيس وزراء ملكى فى الخمسينات، أترحّم على المحامى الماركسى الشيوعى العتيد، الذى دافع حتى عن الإخوان وجماعات الإسلام السياسى فى زمن السادات ومبارك وأنقذ رقابهم من المشانق، بل بكى أثناء إنشاد أحدهم قصيدة شعر من داخل القفص، لأنه يحترم مهنته ويعرف أن أى مجرم لا بد له من محامٍ، أترحّم على محامٍ ماهر فى عمله، صادق فى تعامله، متسامح فى خلافه، شفاف الضمير، صلب الاحتمال، عنيد الحق، أترحّم عليه وأنا أرى هجوم الإخوان عليه كلما كتبت عنه، الإخوان الذين كان خصمهم فكرياً لكنه كان يحاول أن يحاورهم بلا جدوى ولم يصدر منه تصريح بقتلهم كما فعلوا هم مع رجل قانون من قبله وهو الخازندار.

وأنا أترحّم على الهلالى إذا بصديق متعاطف مع عصابة الإخوان يقول: «ترحَّم كما شئت، ولكن نبيل الهلالى الشيوعى بتاعك فى النار والمحامى إياه ومعه صبحى صالح الذى دعا الله أن يميته على دين الإخوان وكل المحامين الملتزمين اللى كانوا بيدافعوا عن أمير المؤمنين مرسى فى الجنة بإذن الله»! كان يتحدث بلهجة الواثق من صكوك غفرانه التى يوزعها بالمجان على البشر، مما ذكّرنى بمقولة الإخوان الخالدة: «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار»، تركته سابحاً فى أساطير ثقته الراسخة ونعيم أحلام فردوسه الذى نسجه بخياله المحلق، ذكّرته فقط بأن قتَلة رفعت المحجوب من الجماعة الإسلامية خرجوا براءة على يد نبيل الهلالى، بسبب مهنيته وثقافته ورفض القضاء وتشككه فى الاعترافات التى تمت تحت التعذيب، ذكّرته بمرافعة الهلالى التى زلزلت جنبات المحكمة وهو يقول: «وخارج هذه القاعة يخيّم جو مسموم، ويعربد مناخ محموم، وتطالب الحملات الهستيرية بقطع الرقاب وقطف رؤوس شباب متهم بالإرهاب، وتتمادى الهجمة الشرسة فتتطاول على قضاء مصر الشامخ، وتشن أبواق مسعورة مأجورة حملة ساقطة على قضاة مصر.. تتهمهم بالعجز وعدم الحزم، وتتهمهم بالتراخى وعدم الجزم، وتعتبر تمسك المحامين بتوفير حق الدفاع على الوجه الأكمل، تسويفاً ومماطلة، وتعويقاً لسير العدالة، وخارج هذه القاعة ينتزعون القضايا انتزاعاً من أمام قاضيها الطبيعى ويحيلونها إلى القضاء العسكرى، بحجة أنه القضاء الأسرع والأنجح والأردع، متجاهلين أن القضاء جهاز لإرساء العدل، وليس أداة للقمع أو الردع، متناسين أن رمز العدالة امرأة معصوبة العينين تمسك بميزان حساس، وليس امرأة تركب بساط الريح ممسكة بشومة أو كرباج، لكن مأساتهم أن القضاء الطبيعى لا يشفى لهم غليلاً.. لذلك يبحثون عن البديل، عن محاكم تفصيل، محاكم على مقاس مزاج وإرادة الحاكم».

تساءلت: لماذا لم يقبل «محامى تقيل وعتويل» وحجة فى الجنايات وقتها الدفاع عن مرسى وعصابته؟ لا بد أن نطرح علامة الاستفهام المؤرقة تلك، ولو كان نبيل الهلالى حياً بيننا لم يكن ليقبل أن يدافع عنهم، لأن الوضع مختلف الآن، كان الهلالى يدافع عنهم فى الماضى بدافع رفع الظلم عن معتقلين، كان يظن أنها قضايا رأى وأنهم يعبّرون عن رأيهم، هذا القديس لفرط رهافة حسه خُدع فى هذه العصابة، ولكنه لو عاش حتى هذه اللحظة وشاهد مذبحة كرداسة وإلقاء الأطفال من على أسطح المنازل وحرق الكنائس وتفخيخ السيارات وتفجير المولوتوف والتخابر مع الخارج والعمالة لأمريكا وقطر وتركيا ومحاولة إسقاط الدولة والجيش وترويع الشعب، لو كان نبيل الهلالى قد شاهد كل هذه المآسى فلا بد أنه كان سيخلع الروب ويلقيه فى ساحة المحكمة ويذهب إلى حيث أطلال ما خرّبته يد الإخوان ليبكى مصر التى سرقتها العصابة واغتالت وجدانها وخربت روحها وقسمت شعبها وانتهكت عقلها، رحم الله القديس نبيل الهلالى، أقولها دون أن أسأل شيخاً عن مصيره ودون أن أطلب صكّ غفرانه، لأننى واثق من أن الله مع الغلابة البسطاء الذين كان يعشقهم ويرعاهم ويخدمهم الهلالى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس الهلالى دروس الهلالى



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 04:05 2024 السبت ,17 شباط / فبراير

أسعار النفط تتأرجح وسط توقعات بتراجع الطلب

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 18:57 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 19:31 2019 الثلاثاء ,19 شباط / فبراير

قائد القوات البرية يستقبل عدداً من ضيوف «آيدكس»

GMT 20:22 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

خبراء إكسبو يعزز دخول شركات البناء العالمية في الإمارات

GMT 13:51 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالة مثيرة لريهانا خلال مباراة يوفنتوس ضد أتلتيكو مدريد

GMT 13:35 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

" F D A " تفرض قيودًا على بيع السجائر الإلكترونية

GMT 19:39 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة الباحة تعلن فتح التسجيل ببرامج الدبلومات المصنفة

GMT 18:29 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

خطوات بسيطة تمكّنك من تحويل الأثاث القديم إلى "مودرن"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates