أيُّ شرق أوسط تريد إدارة بايدن

أيُّ شرق أوسط تريد إدارة بايدن؟

أيُّ شرق أوسط تريد إدارة بايدن؟

 صوت الإمارات -

أيُّ شرق أوسط تريد إدارة بايدن

بقلم - سام منسى

كتب الزميل نديم قطيش في هذه الصفحة عن «شرقين أوسطين» يتشكلان؛ أحدهما يجمع دول الاعتدال والسلام وثانيهما يضم محور دول تهيمن عليها إيران. هذا التوصيف بدأ يتبلور عبر اللقاءات بين زعماء في المنطقة وتوقيع الاتفاقات الاقتصادية والتعاون في مجالات تنموية واستثمارية وتكنولوجية وسياحية، كلها تشي بأن رياحاً نهضوية من نوع مستجدّ تهبّ على الإقليم يؤمَّل أن تشكل منعطفاً استراتيجياً لخير شعوبها.
في هذا السياق، الآمال معقودة على جولة الرئيس الأميركي جو بايدن علّه يتوِّج هذا التطور ويعيد تصويب بوصلة بلاده حيال هذه الناحية من الشرق الأوسط عندما يطّلع مباشرةً على تطلعاتها وهواجسها، لا سيما في أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية ومشاركته في قمة مجلس التعاون الخليجي بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
لا تقتصر أهمية جولة بايدن على عودة الحرارة المفقودة بين واشنطن وعدد من الدول العربية، لا سيما الخليجية وعلى رأسها السعودية فحسب، بل لأنها تُعد ترجمة علنية مطلوبة بإلحاح لتراجع الإدارة الديمقراطية عن مسار من سوء التقدير والممارسات الخاطئة التي ثبت لها أنها فاقدة الصلاحية والجدوى. إلى ذلك، يُنظر إلى الزيارة على أنها الاستدارة الحادة مجدداً نحو الشرق الأوسط، بعد الفشل في وقف التمدد الصيني والتوغل الروسي والتخلي قصير النظر عن الحلفاء الموثوقين منذ إدارة باراك أوباما المفتونة بدبلوماسية طهران ودبلوماسييها وابتساماتهم المصطنعة.
لا شك أن الحرب الأوكرانية، وأزمة الطاقة والغذاء في العالم، وتعثر المفاوضات النووية مع إيران، والتوجس من التوغل الصيني والروسي في المنطقة... دفعت واشنطن إلى تغيير سياستها تجاه الإقليم ومحاولة ترميم علاقاتها مع حلفائها الاستراتيجيين التقليديين، في موقف يؤمَّل أن يكون مستداماً وليس استغلالياً. وتجد الرياض نفسها في موقع قوة، ويكتسب هنا تحركها الإقليمي قبيل زيارة الرئيس بايدن أهمية خاصة، لا سيما جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر والأردن وتركيا، ودعوة السعودية مصر والأردن والعراق لحضور القمة الخليجية، كونه يُعيد الُّلحمة بين دول عربية فاعلة لن تستقيم أحوال العرب من دونها، وعلى رأسها العلاقة بين الرياض والقاهرة من دون التقليل من أهمية محور يضم الإمارات العربية المتحدة والأردن والمغرب وربما دولاً عربية أخرى مستقبلاً لأن هذه هي الطريق السريعة والآمنة لمواجهة التغول الإيراني.
هذا التحرك يوجه رسالة ثلاثية إلى الإدارة الأميركية؛ الأولى أن العلاقات العربية - الأميركية تعد علاقات استراتيجية على الجانبين الحفاظ عليها وتطويرها، مع ضرورة أن تكون سياسات الإدارة الديمقراطية تجاه المنطقة أكثر وضوحاً وتحديداً. وثانيها أن الدول العربية لديها القدرة على توحيد مواقفها إزاء القضايا المهمة رغم التحديات الراهنة. والثالثة هي أن الأمن القومي العربي خط أحمر لن تألو الدول العربية جهداً لحمايته.
وتشهد المنطقة أيضاً حراكاً إقليمياً أوسع، نراه، إضافةً إلى محتواه الأمني والدفاعي الشديد الأهمية في هذه المرحلة، يرتكز على عاملين حيويين لمستقبل المنطقة؛ هما السلام والاقتصاد، على غرار اتفاقات مثل اتفاق التجارة الحرة بين الإمارات وإسرائيل والموقّع في مصر بحضور الرئيس السيسي كدليل على المتغيرات العميقة الجارية، وبين الأردن والإمارات وإسرائيل للطاقة مقابل المياه الموقَّع في دبي.
هذه التشكيلات الجديدة والائتلافات التي يتم إنشاؤها تشير إلى أن خريطة الشرق الأوسط الجغرافية الاستراتيجية آخذة في التغير، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات حول مصير الدول التي بقيت خارجها بسبب وقوعها تحت الهيمنة الإيرانية مثل لبنان والعراق وإلى حد ما غزة وسكانها الأكثر من مليونين، ولن نتطرق إلى سوريا المشلعة والمتحولة إلى ميدان قتال بين دول عدة، واليمن الذي فقد السعادة يوم تسربت إليه الريح الإيرانية.
إن المقارنة بين «شرقين أوسطين» هي والحال هذه مقارنةٌ بين تطلعات مَن ينظر إلى مستقبل التكنولوجيا والطاقة المتجددة ومكافحة التصحر ونقص المياه والسعي إلى رفاهية اقتصادية، وبين آيديولوجيا متحكمة منغلقة وتفكير أحادي؛ بين مجتمعات تجهد للترقي والتفاعل الحضاري ومجتمعات ترفض الانفتاح إلا على ما يحاكيها شكلاً ومضموناً وتمعن في محاربة العالم أجمع.
لا شك أن الحالة اللبنانية تختلف عن العراق وغزة، ولكلٍّ منها خصوصيته، إنما السمة المشتركة بينها هي تعرض كل منها لشقوق في المجتمع ناتجة عن أدلجة شرائح اجتماعية عدة وجعلها مختلفة عن شركائها في الوطن شكلاً ومضموناً. إن الخلاف السياسي طبيعي وموجود في الدول والمجتمعات كافة، ويُعد في الليبرالية منها ظاهرةً صحية ودليلاً على انتظام الحياة السياسية جراء التداول السلمي للسلطة. وللموضوعية، لن نتغاضى عن الإشارة إلى أنه حتى هذه المجتمعات الليبرالية بدأت تعاني من التجاذب السياسي الحاد وأحياناً من انقسام ملموس في المجتمع يطال نواحي كثيرة تتجاوز السياسة، لكنه مرض عابر وليس عضالاً كما هو الحال في الدول الخاضعة للهيمنة الإيرانية التي خلقت قوى مؤدلجة باتت دولة ضمن دولة.
وما يزيد الأمور صعوبة ودقة والضرر جسيماً، أن هذه الشرائح هي من صلب النسيج الاجتماعي للبلاد، ما يجعل من معالجة هذه الظواهر وتداعياتها على النظام العام والمجتمع لتصل أحياناً إلى الكيان، عملية طويلة ومعقَّدة. فالمعالجة السياسية عبر الحوار والتوافق شبه مستحيلة وخاضعة دوماً للتهديد بالاحتراب الأهلي.
إلى هذا، تؤدي التبعية في السياسة للمحور الإيراني إلى تخريب علاقات هذه الدول مع محيطها ودول صديقة تقليدياً، وإلحاق الضرر في الاقتصاد وقطاعات حيوية إنتاجية وأخرى مرتبطة كالصحة والتعليم والسياحة وغيرها كما تشهد على ذلك أحوال لبنان والعراق المستعصية والأوضاع في غزة التي أضحت مختلفة اجتماعياً وثقافياً عن الضفة الغربية وعرب إسرائيل بعد سيطرة حركة «حماس» عليها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً.
«شرقان أوسطان» واقع لا يجوز حقاً إغفاله وسط المتغيرات الدولية والضرورات الإقليمية والحاجة إلى تجاوز الخلافات والتباينات، بل خطره يجب أن يكون محفزاً رئيسياً للحراك الجاري في المنطقة على أمل أن يقابله تواضع أميركي بالرجوع عن الخطأ ومعالجة آثاره السيئة، لا سيما على الشرق الأوسط الآخر الواقع تحت سطوة إيران.
وعليه، فإن المساحة المتبقية والمتاحة لمعالجة أحوال الشرق الأوسط الإيراني ثلاثية: الأول تدعيم نجاح تجربة حلف الاعتدال العربي كضمانة لأمن المنطقة كلها، والثاني الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي لهذه الدول وشعوبها ومصالحها، وثالثها يقظة أميركية عسى أن تظهّرها زيارة الرئيس بايدن، وهي حتمية معالجة النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني كمدخل لمقاربة بقية النزاعات، ومن دونها محاولات ضمان الاستقرار تبقى عبثية والوصول إليه ضرباً من الخيال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيُّ شرق أوسط تريد إدارة بايدن أيُّ شرق أوسط تريد إدارة بايدن



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة - صوت الإمارات
النجمة بلقيس عادت من جديد للتفاعل مع جمهورها واستعراض إطلالة جديدة لها عبر انستجرام، لتوثق أحدث ظهور لها بفستانها الأسود الجديد الذي نال تفاعل قطاع كبير من جمهورها، كما أنها عادت للظهور بأزياء من علامة فيرساتشي الشهيرة التي سبق وقد تألقت بها أكثر من مرة في الماضي. تفاصيل أحدث إطلالة للنجمة بلقيس النجمة بلقيس اختارت في احدث ظهور لها، ارتداء فستان أسود أنيق من علامة فيرساتشي الشهيرة، وتعتبر بلقيس من عاشقات اللون الأسود وسبق وظهرت به في العديد من إطلالاتها الجذابة، وهذه المرة اختارت فستان أنيق نال إعجاب محبيها بمجرد نشر صوره عبر حسابها على انستجرام. بلقيس استعرضت أناقتها بفستان أنيق باللون الأسود انسدل طويلًا ومجسمًا مع صيحة الكب التي زادت من أناقته، والتي جاءت بتصميم مستقيم، كما تزينت منطقة الصدر بحزام رفيع يتوسطه اكسسوار...المزيد

GMT 17:17 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 01:04 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

سريلانكا تجذب السائحين من دول التعاون

GMT 02:25 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مصر تستعد لتنظيم البطولة العربية لرواد الغولف

GMT 14:01 2019 الجمعة ,11 كانون الثاني / يناير

الفنان أحمد عز يًعرب عن سعادته بتكريمه في 2018

GMT 10:19 2018 السبت ,28 تموز / يوليو

الحياة على كوكب الأرض نشأت قبل 300 مليون سنة

GMT 14:43 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

ناعومي كامبل تتألق بمعطف رائع باللون الأسود

GMT 06:45 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

إسرائيل تدرس مد محطة كهرباء غزة بالغاز الطبيعي

GMT 17:40 2013 الخميس ,11 إبريل / نيسان

"مصر التى فى صريبا" رحلة كاتبة فى بيت الأدباء

GMT 15:11 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

" مروى " تطرح تشكيلة من الملابس الخاصة بالنساء الحوامل

GMT 05:02 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

مركز الأرصاد الإماراتي يحذّر من الضباب

GMT 02:53 2015 الأربعاء ,25 شباط / فبراير

إزالة تعديات عن شبكات الكهرباء العامة في لبنان

GMT 15:37 2013 الثلاثاء ,26 شباط / فبراير

راديو مصر يستضيف وزيري التخطيط والتموين الثلاثاء

GMT 18:01 2013 الأحد ,03 شباط / فبراير

ألفا مدرسة أميركية تستخدم كروم بوك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates