العدو الخفي في حرب السودان

العدو الخفي في حرب السودان!

العدو الخفي في حرب السودان!

 صوت الإمارات -

العدو الخفي في حرب السودان

بقلم : عثمان ميرغني

 

تحديات جسام تقف أمام رئيس الوزراء السوداني الجديد الدكتور كامل إدريس، في واحدة من أعقد اللحظات التاريخية التي يمر بها السودان. فالرجل يتسلم المنصب في بلد أرهقته حرب مدمرة، واقتصاد هش، وبنية تحتية منهارة، ومؤسسات متآكلة، وشعب صابر يعاني ظروفاً شديدة الوطأة. في خطابه الأول بعد أداء القسم، أبدى رئيس الوزراء إدراكه حجم المسؤولية، وأعلن استعداده للعمل وفق رؤية عرضها في كتابيه اللذين قدمهما للناس أمام الكاميرا.

مع برنامج العمل الضخم الذي ينتظر حكومته، فإن أحد التحديات الكبرى قد لا يكون في المهام الظاهرة، وهي كثيرة، بل في «العدو الخفي» الذي ينخر جسد الدولة منذ سنوات: الفساد.

وإذا كانت قصة الفساد قديمة في البلد المكلوم، فإنها تفتح فصولاً جديدة في أوقات الحرب التي عادة ما يجد الفساد فيها مرتعاً خصباً، إذ تكون مؤسسات الدولة أكثر هشاشة، وتغيب الرقابة الفاعلة، ويستغل بعض الناس الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة، للاستغلال والتلاعب ونهب المال العام والخاص. فمنذ اندلاع الحرب تسرب الكثير من قصص الفساد الذي تفشى في مفاصل الدولة، في الإغاثات، في التعيينات، في المال العام، وحتى في الضمير العام.

ولا يُعد الأمر محض اتهامات شعبية، إذ تحدث عنه عدد من قادة الدولة علناً، منهم الفريق عبد الفتاح البرهان الذي وجه انتقادات لتجاوزات في الخدمة المدنية ومحاباة في التعيينات، فيما وصف نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، الفساد بأنه مستفحل.

الواقع أن الفساد لم يعد حالة استثنائية أو سلوكاً فردياً، بل أصبح «نظام حياة»، وهو لا يضعف الاقتصاد فقط، بل يهدد بتقويض الدولة ذاتها. لذلك، فإن ما يحتاج إليه السودان اليوم هو معركة حقيقية ضد الفساد، معركة لا تكتفي فقط بالتصريحات، بل تعمل على تنفيذ إصلاح جذري وشامل لمؤسسات الدولة. محاربة الفساد في هذه الظروف ليست مطلباً شعبياً فقط، أو ترفاً إدارياً، بل ضرورة وطنية، وشرط أساسي للإصلاح، وضمان إعادة البناء والإعمار، وجذب الاستثمار، وعودة الثقة بين المواطن والحكومة. المطلوب ليس فقط إرادة سياسية واضحة، بل معركة شاملة تُخاض عبر أدوات فاعلة وخطط قابلة للتنفيذ.

من أين نبدأ؟

أمام حكومة الدكتور كامل إدريس مسارات متعددة يمكن أن تفتح أفقاً جديداً في محاربة الفساد، وهو يحتاج فيها لدعم كامل من بقية الأطراف في الدولة. ومن الخطوات التي يمكن للدولة أن تتحرك فيها:

- إنشاء مفوضية وطنية مستقلة لمكافحة الفساد، بصلاحيات حقيقية.

- محكمة متخصصة في جرائم الفساد، تجمع بين الكفاءة والسرعة، لضمان ألا تضيع القضايا في دهاليز الإجراءات.

- قانون صارم للذمة المالية وإعلان الممتلكات يشمل كبار المسؤولين والعاملين في أجهزة الدولة.

- التوسع في فتح بوابات إلكترونية لخدمات الجمهور، ورقمنة الخدمات الحكومية لتقليل التماس المباشر وتقليص فرص الرشوة، عبر بوابة موحدة تشمل الجمارك، الضرائب، المشتريات، التراخيص، وغيرها.

- حملة إعلامية وطنية بشعارات قوية، عنوانها محاربة الفساد، مع اختيار شعارات مناسبة تخاطب الناس مباشرة وبشكل متكرر حتى تصل الرسالة وتصبح شعاراً شعبياً قوياً يطرق صوته أبواب المسؤولين.

- مع حملات التوعية هناك أيضاً حاجة لحماية الصحافيين حتى يؤدوا دورهم في كشف الفساد عبر الصحافة الاستقصائية، واتباع نظام لحماية المبلغين عن الفساد.

- الإصلاح لا يكتمل من دون تطهير للمواقع الحساسة في القضاء، والشرطة، والجمارك، والضرائب، والمواني، والمعابر. كما يجب تمكين المجتمع المدني للمشاركة في الرقابة الشعبية، وضمان الشفافية والمساءلة.

هناك تجارب كثيرة ناجحة حول العالم لدول واجهت الفساد بحملات وإجراءات قوية تؤكد أن الإصلاح ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية. رواندا على سبيل المثال كانت بعد جرائم الإبادة الجماعية في التسعينات دولة فاشلة غارقة في العنف والفساد، لكنها اختارت بعد ذلك طريق الإصلاح والبناء، وطبقت سياسة عدم التسامح مع الفساد فعززت مكتب الرقابة والمراجع العام، وأنشأت هيئة خاصة لمكافحة الفساد ومحاكم متخصصة، وقدمت شخصيات نافذة للمحاكمة. وهناك أيضاً تجربة سنغافورة التي كانت دولة فقيرة بموارد محدودة وتعاني من انتشار الفساد حتى ستينات القرن الماضي، لكنها سارت في طريق الإصلاح والنهضة وفرضت نظم رقابة فعالة واستقلال القضاء مع قوانين صارمة، وضمنت رواتب مجزية لموظفي الخدمة المدنية والعاملين في القضاء والشرطة والجمارك وغيرها من أجهزة إنفاذ القانون والجباية، لمنع الإغراءات والرشوة. في مقابل ذلك فرضت أنظمة صارمة للمراقبة والمحاسبة والمحاكمة.

إذا جاءت حكومة الدكتور كامل إدريس لمهادنة واقع الفساد، فإنها لن تصنع فرقاً، بل ستضيف إلى الإحباط. أما إذا جاءت بروح «الفرصة الأخيرة» ودعمتها قيادات الدولة الأخرى، فقد تكون لحظة فارقة للسودان. لكن المعركة لن تكون سهلة وتحتاج إلى شجاعة سياسية، وثورة أخلاقية، وإيمان بأن الفساد ليس قدراً، بل معركة يجب أن تُكسب إذا كان للسودان أن يتعافى وينهض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدو الخفي في حرب السودان العدو الخفي في حرب السودان



GMT 20:29 2025 السبت ,14 حزيران / يونيو

الانكشاف الإيراني... والانكشاف اللبناني!

GMT 20:28 2025 السبت ,14 حزيران / يونيو

ترمب في الطريق إلى اجتماعات القمة المحورية

GMT 20:27 2025 السبت ,14 حزيران / يونيو

مرحباً بالزومبي!

GMT 20:27 2025 السبت ,14 حزيران / يونيو

من أين تعود سوريا؟

GMT 20:26 2025 السبت ,14 حزيران / يونيو

أربعة أسباب موجبة للحذر من "عصابة أبو شباب"

GMT 20:26 2025 السبت ,14 حزيران / يونيو

تونس: إعادة النظر في سياسة تحديد النسل

GMT 20:25 2025 السبت ,14 حزيران / يونيو

«أنتِ دولة أم حزب»؟

GMT 20:24 2025 السبت ,14 حزيران / يونيو

قبل إيران… “بيبي” ربح المواجهة مع ترامب!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة ـ صوت الإمارات
اجتمعت عاشقات الموضة الشهيرات في الوطن العربي خلال الساعات والأيام الماضية على تفضيل اللون الأسود لتزيين أحدث ظهور لهن، حيث تكاثفت إطلالات النجمات المتألقات بالأزياء السوداء، وزينت مواقع التواصل الإجتماعي، وطغت على اختياراتهن الأناقة والتفاصيل المعاصرة، كما تنوعت تلك الأزياء بين ما يناسب النزهات الصباحية، وأخرى للسهرات، ولأنه اللون المفضل في كل المواسم دعينا نلقي نظرة على أحدث إطلالات النجمات، لعلها تلهمك لاختيار إطلالتك القادمة على طريقة واحدة منهن. إطلالة نانسي عجرم ملكة البوب العربي نانسي عجرم عادت لصيحتها المفضلة في أحدث ظهور لها، من خلال اختيار موضة الجمبسوت المرصع الذي تفضله كثيرا في حفلاتها، ولم تتخل الفنانة اللبنانية عن لونها المفضل الذي رافقتها مؤخرا بكثير وهو اللون الأسود، حيث اختارت جمبسوت مرصع كليا بالت...المزيد

GMT 19:29 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 08:38 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 12:12 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 18:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:42 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كواليس تصوير "أبو وتارا عماد" لكليب أغنية "حبيبي يا ليل"

GMT 12:23 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 01:07 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

لنكولن تكشف عن Aviator 2020 بتصميم جريء ومميز

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دراسة طبية تكشف أمرا "مقلقا" في مشروب "ستاربكس"

GMT 08:13 2019 السبت ,27 تموز / يوليو

طريقة عمل ساندويتشات الشيكولاة الجميلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates