اعترافات ومراجعات 38 التفاوت الحضاري والاستعلاء الثقافي

اعترافات ومراجعات (38).. التفاوت الحضاري والاستعلاء الثقافي

اعترافات ومراجعات (38).. التفاوت الحضاري والاستعلاء الثقافي

 صوت الإمارات -

اعترافات ومراجعات 38 التفاوت الحضاري والاستعلاء الثقافي

بقلم:مصطفى الفقي

يظل الشرق شرقًا والغرب غربًا، قناعة استقرت فى ذهنى منذ وطئت قدماى أرض لندن عام ١٩٧١؛ إذ إن نظرة الغرب للشرق لا تخلو من عنصرية واضحة نتيجة التراكم الطويل للمواجهات التاريخية بين الشرق والغرب اللذين حركت وجودهما الجغرافيا البشرية حتى أصبحت المواجهات بين الشمال والجنوب!، وقد تحكمت نقاط التماس بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية الأوروبية فى تشكيل تلك العلاقة سلمًا وحربًا.

تعاونا وقتالًا ولسوف تظل الأندلس وصقلية محاور العلاقة بين أوروبا وآسيا ومركزى اتصال لم يتوقف بين الجانبين، ولقد لاحظت دائمًا أنه يوجد داخل كل من هو غربىّ الثقافة نزعة استعلاء دفينة تدفع دائمًا العقل الغربى إلى شعور ذاتى بالتميز لا يخلو من الأنانية والإحساس المبالغ فيه بالذات تجاه نظيره القادم من الجنوب، ولعل غطرسة الغرب فى تعامله مع الشرق قد انعكست فى كتابات المستشرقين الذين لا أنكر أن بعضهم كان محايدًا بل ومتعاطفًا مع البلاد التى زارها والمحاور الثقافية الشرقية التى احتك بها، بل إن نظرة الانبهار تطل أحيانًا من بين سطور كتابات بعض المستشرقين.

ولكن الأغلب الأعم يحمل فى خلفيته الثقافية شعورًا بالتميز وإحساسًا دفينًا بالاستعلاء، فالرجل الأبيض توهم عبر القرون أنه صاحب السيطرة الحقيقية على سواه، وما حدث للمواطنين الأصليين فى القارتين الأمريكيتين ما هو إلا تعبير قاسٍ عن السطوة باسم عملية التحضر، وعن العنف الكامن تحت شعار تحديث أنماط الحياة والارتقاء بالشعوب المتخلفة، وتلك كلها أوهام نسجها الخيال المريض لمن ينكرون المساواة الحقيقية.

وفى ظنى أن هذا التطور يعكس صورة مخالفة لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين أبناء الحضارات المختلفة والثقافات المتعددة، فالحضارة تواصل والثقافة تناغم، وليس من الطبيعى أبدًا أن يكون التنافر بينهما على النحو الذى نراه، ويكفى أن نتذكر صورة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش فى القاعة البيضاوية بالبيت الأبيض يخطط مع مساعديه ضربات جوية ضد أفغانستان بينما يجلس بن لادن فى الجانب الآخر على مشارف صحراء (تورا بورا) بزى مختلف تمامًا ومظهر لا يمت للبيت الأبيض بصلة.

يخطط هو الآخر لضربات محتملة مفاجئة ضد الهيمنة الأمريكية والسيطرة المدّعاة والسطوة المستقرة فى أعماق الرجل الأبيض، أو قل فى أعماق رجل الشمال ضد أبناء الجنوب الذى يأتى من قارات مختلفة مبهورًا بإنجازات الرجل الأبيض ولكنه مذعور فى الوقت ذاته من نتائج ذلك على حياته ومستقبل أجياله القادمة، إننا لا ننكر التنوع الثقافى بل نتحمس له ونرى فيه مزيجًا فريدًا يؤدى إلى سبيكة واحدة منسجمة من المعارف والأفكار فى مرحلة معينة وفى مجتمعات بذاتها، فالتنافر ليس سمة حضارية وخطاب الكراهية لا يعبر عن نزعة ثقافية بل هو تجريد أعمى لنقاط التواصل بين الأطراف المختلفين شكلًا المتحدين موضوعًا.

ولقد اكتشفنا فى السنوات الأخيرة أن مستقبل البشرية واحد، وأن المصير مشترك، وأن النوائب والمصائب عندما تحيق بالكوكب فإنها تكتسح الجميع أمامها بلا تفرقة أو تمييز، وربما كانت عالمية التفكير الذى رسوت عنده منذ مرفأ الطفولة هو الذى دفعنى دائمًا إلى النظرة الشاملة والرؤية المتكاملة والفكرة النسبية.

وهو أيضًا الذى دفعنى إلى أن أنتقل من القسم العلمى (تخصص فيزياء) إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة متجاهلًا كليات الهندسة والطب وغيرها من كليات القمة التى كانت متاحة أمامى، فلقد أدركت مبكرًا أن بعد النظرة واتساع الرؤية يلزمان البشر بالتفكير فى المستقبل على نحو شامل ورؤية لا تتجزأ، بل لقد أدركت مبكرًا أيضًا أن التفاوت الحضارى لا يرتبط بالضرورة بالاستعلاء الثقافى فلقد رأينا فى الغرب شخصيات متفهمة واستمعنا إلى أصوات عاقلة ولكنها لا تؤدى فى مجملها إلى ما يجب أن تكون عليه الأمور.

إننى ألح مؤكدًا على خطورة التفاوت الحضارى والاستعلاء الثقافى ودورهما فى تشكيل العلاقات الثنائية بل والمتعددة بين أطراف مختلفين شكلًا متماثلين جوهرًا، وأظن أن البحث فى تاريخ الحروب والنزاعات المسلحة سوف يصل بنا إلى هذا الفهم مهما كانت الملابسات التاريخية والمسافات الجغرافية، فالعالم يجسد دائمًا المقولة الفلسفية التى تتحدث عن (الكل فى واحد).

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 38 التفاوت الحضاري والاستعلاء الثقافي اعترافات ومراجعات 38 التفاوت الحضاري والاستعلاء الثقافي



GMT 21:27 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

قصة عِبَارة تشبه الخنجر

GMT 21:21 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

المرأة ونظرية المتبرجة تستاهل

GMT 21:17 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

«تكوين»

GMT 21:10 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هل يعاقب فيفا إسرائيل أم يكون «فيفى»؟!

GMT 21:06 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

العالم عند مفترق طرق

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

أبوظبي ـ صوت الإمارات
تحتفل اليوم الإعلامية اللبنانية ريا أبي راشد التي تحظى بشهرة واسعة تخطت حدود الوطن العربي وصولا لعالم هوليوود، ورافقت ريا الأناقة الناعمة في أشهر فعاليات الموضة والفن حول العالم على مدار سنوات من التوهج والنجاح المهني، واليوم تزامنا مع عيد ميلادها الـ47، سنأخذكم في جولة سريعة نتذكر خلالها بعض من إطلالات الإعلامية العالمية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار المجوهرات العريقة Bulgari، وأول امرأة عربية تصبح سفيرة للنوايا الحسنة لمفوضية اللاجئين في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. أحدث ظهور لريا أبي راشد بصيحة الجمبسوت منذ أيام سحرت الإعلامية ريا أبي راشد متابعيها بإطلالة ناعمة قامت بنشر صورها عبر حسابها الخاص على انستجرام، عبارة عن جمبسوت ناعم باللون الأبيض الموحد من توقيع Alex Perry، تميز بالأرجل الواسعة مع ياقة القلب ذات الأكتاف المكشوف...المزيد

GMT 06:37 2018 السبت ,28 إبريل / نيسان

بندر الأحبابي يعرب عن سعادته بأول أهدافه

GMT 14:30 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فهمي يؤكّد أن الشباب سيدفع فاتورة التغيرات المناخية

GMT 18:38 2020 الأحد ,23 شباط / فبراير

«إل جي» توفر تقنية 8K في شاشات الترفيه

GMT 17:02 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"Hennessey" تُقدِّم نسخًا مُعدِّلة وقوية مِن سيارات "فورد"

GMT 08:18 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة GoPro تعتزم الدخول في سوق الطائرات بدون طيار

GMT 11:00 2013 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أبل على وشك إطلاق "الراديو الموسيقي"

GMT 12:34 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

وضعوا الكثير من الريش حتى أوشك على الطيران

GMT 04:58 2013 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

"قصة وطني" يروي قصة تأسيس أعرق مصرف في الخليج

GMT 01:40 2015 الجمعة ,30 كانون الثاني / يناير

تغيير موعد إقامة مهرجان الغردقة الدولي لمسرح الطفل

GMT 00:03 2015 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الطاقة الأردنية ترفع مقترحاتها بشأن التعرفة الكهربائية

GMT 10:29 2014 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الورد البلدي يزيّن المنزل بعجينة "البلاستيك"

GMT 11:36 2016 السبت ,02 إبريل / نيسان

تألقي مع أجمل الحقائب الملونة هذا الموسم

GMT 12:49 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

تمارين بسيطة تساهم في التخلص من الوزن الزائد

GMT 17:46 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تكليف هشام نصر بمهمة المتحدث الرسمي لاتحاد اليد المصري
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates