أذىً كالحُبّ تأملات رجل يشرف على الخمسين
آخر تحديث 20:14:25 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

"أذىً كالحُبّ" تأملات رجل يشرف على الخمسين

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - "أذىً كالحُبّ" تأملات رجل يشرف على الخمسين

دبي - وكالات

ما يلحظه المرء في قصيدة الشاعر المغربي حسن نجمي في ديوانه الأخير «أذى كالحب» هو أنها زاخرة بـ«تقاطعات» لشعريات متجاورة وحديثة ومشهديات تاريخية وغير تاريخية ويومية هامشية وعابرة جعل منها الشاعر مروّيات شعرية في هذا الديوان الصادر عن دار مرسم للنشر والتوزيع بالرباط في مائة وسبعين صفحة من القطع المتوسط. هي مشهديات شعرية أكثر من أنها صور شعرية فقط، مستفيدا بذلك من شعراء معروفين وآخرين كانوا هامشيين يوما ما في الشعريات الغربية، على المستوى التقني الكتابي وطرائق في التخييل، أولئك الشعراء الذين جعلوا من الهامش متنا ومن الزائل انتصارا على فكرة الغياب الأبدي للأشياء والمشاعر الإنسانية التي تعبر بقلوبنا كل يوم. ولأن الشخص السارد في قصيدة حسن نجمي هو صوت الفرد، فقد أصبحت هذه المرويات هي السردية الكبرى للفرد ذاته، إذ تعيد كتابة تاريخ الجسد بما هو عليه؛ من أنه عُرضة للزوال والفناء لكنه يظل حياً نابضاً في سرديته تلك. مع ذلك ليس الكتاب، بما يشتمل عليه من تنوّع وغنى في أحوال وتقلّبات المزاج الشعري، احتفاء محضاً بالجسد، إنما عبر تذكرّه أو إعادة بنائه من طريق الذاكرة بما هو مزيج من روح ومادة، إذا جاز التوصيف، دون أن يكون ذلك كله بعيدا عن أن هذا الكتاب هو مشغل شعري يختبر الشاعر فيه طاقة اللغة وإمكاناتها على التعبير والإحاطة بالمخيلة الشعرية ما أمكن إلى ذلك سبيلا. جاء «أذى كالحب» في ستة أبواب لا فاصل بينها أو حدّ، سواء أكان على مستوى المخيلة أم على مستوى الصنعة، بل هو افتراق في المزاج الذي يجمعها، فهي تمثل جميعا مشاغل رجل يقف على عتبة الخمسين الآن ويحسن التذكر. و»التذكر الذي يعاقب النسيان» هنا أيضاً هو جامع آخر بين القصائد مثلما أنه قد أفضى إلى ذلك المزاج الشعري على الأرجح. لكن نبرة اليأس هنا هي التي تغلب على طابع التذكر ذاك، ففي «يأس مشمس» مثلما في «أقصى الغموض»، فإن الصمت يكاد يكون صوت اليأس المدوّي في القصائد، «صار لي يأس مشمس» و»لأن اسمي ليس لأحد / قلتُ: لِمَ لا أتخلى عنه للهاوية» .. إنه اليأس الذي كأنه والعزلة وجها عملة قديمة: «الأجمل في السجن أن نعتزل العالم والناس». هكذا، يصير الصمت حاضنة للإحساس بالذات والعالم وموقف منهما أيضا: «الصمت الذي حولك يمكنه أن يسعفك أكثر / لك أن تستمع إلى صراخك القديم كلّه». غير أن بلاغة الصمت لدى حسن نجمي في هذين البابين تبلغ قمر اكتمالها في قصيدته «دمعة»: «لم يكن يبكي. لم يكن يفكر في البكاء. لكنّ دمعةً فاجأته. كأنها تأخرت عن موعد. كأنها لم تأت مع بكائها القديم. كأنها جاءت تسبق بكاء قادما - كأنها لم تكن دمعة.» وإذا كان مزاج «يأس مشمس» يؤسس لحالة شعورية محددة فإن «أقصى الغموض» يبشر بنزوع الشاعر حسن نجمي إلى «اللعب» مع «شكل»ين من قصيدة النثر والتجريب بهما: السطرالشعري، ثم كتابة الشعر بالنثر على الصفحة بدءا من الهامش وانتهاء بالهامش المقابل للصفحة حيث تنبني القصيدة، هنا، من الجملة فالفقرة ثم الفقرات التالية .. وهكذا. في الوقت نفسه يعيد «الشاعر» كتابة ذاته من خلال التأمل في ذوات شعراء آخرين وهو ما جرت الإشارة إليه مطلع هذه السطور. لكن الشاعر هنا لا يتخلى عن الصمت ولا يتنازل عن يأسه المعرفي من العالم والحياة والعيش: «حتى حين نيأس نظلّ نحدّق في الغيم». والقصائد بكل ما تتضمنه من صور شعرية هي تعبير عن حالة ذاكرة ثقافية - شعرية وقد امتزجت، حتى تلك التي تتناول علاقة الرجل بالمرأة أو حالة الحب التي مصدرها الشخص السارد في القصيدة، أي الشاعر في آخر الأمر، هي قصائد تصبّ في الاتجاه ذاته إذ يتأمل في الشعر والصنيع الشعري وفي شعراء من طراز الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس واليوناني يانيس ريتسوس. أما قصائد «جهة الحب» فهي، حقا، نتاج مخيلة علاقة حسية ومخيضة وملموسة بامرأة من لحم ودم، وتتسرب من هذه المخيلة صور إيروتيكية عديدة: «أراكِ عاليةً فأقفز إلى ذروتكِ كأيّلٍ. / كأن ظلَّ القبلة يزيحُ عن خدّكِ حمرة الوشاح. / وأخفُّ أخفُّ. أستخلصكِ إليّ». ولأن هذه القصائد أيضا هي تأملات «رجل يطلّ على الخمسين»، فهي قائمة على فعل تذكريّ أساسا، ما يعني أنها حالة إنسانية يقوم الشعر هنا بإحالتها إلى صور بعد أن قامت الذاكرة الشخصية بترميم هذه الصور. وفي «قصائد برتغالية» يتوقف المرء مطولا عند قصيدة «كازّا دي ماتيوس». هل هي شعر حقّا؟ أتنتمي إلى قصيدة النثر؟ أم أنها خليط من جنسين آخرين: السيرة الذاتية واليوميات؟ أم هي اقتطاع من رواية مكتوبة بنثر حميم ومشهديات سردية محضة قائمة على التذكّر، وتذكِّر بعض الشيء باقتطاعة من روايات الغرائبية السحرية اللاتينية؟. وما يجعل الإجابة عن أي من هذه الأسئلة فعلا خَطِرا بالفعل هو أنها تتأثر بالتأكيد بإرث قرائي شخصي لدى قارئها، إرث بات الآن مزيجا من قراءات شعرية مترجمة أو غير مترجمة من ثقافات العالم. لكن مع ذلك يمكن البحث في الإجابة عن السؤال الثاني من بين ما هو مطروح في الفقرة السابقة، حيث من الممكن القول إنها قصيدة مكتوبة بالنثر وتتفق مع ذائقة قراءة هذا النوع الشعري في مراحله المتطورة والراهنة، لكنها قد تكون على النقيض من ذلك بالنسبة لقارئ عربي حتى لو كان متعاطفا مع قصيدة النثر. ثمة اتجاه في قصيدة النثر - لا يقتصر حضوره على الثقافة الغربية وحدها بل حتى في ثقافات مجاورة مثل الثقافة الهندية – جعل من حضور اليوميات والسرديات بل وحتى المقالة والتي تكون أحيانا ناشفة تماما من أي تشبيه أو استعارة، جعلها جميعا «ضرورة شعرية» لقصيدة النثر، وهذه التجربة القصيدة «كازّا دي ماتيوس» تنتمي إلى هذا النوع من الجدل الشعري الراهن غير الموجود حتى الآن في الثقافة العربية إلا متناثرا في قصائد هنا أو هناك. إنها القصيدة الأكثر إثارة للجدل في «أذى كالحب».

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أذىً كالحُبّ تأملات رجل يشرف على الخمسين أذىً كالحُبّ تأملات رجل يشرف على الخمسين



GMT 01:28 2023 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

"أنت تشرق. أنت تضيء" رشا عادلي ترسم لوحة مؤطرة

GMT 05:28 2022 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حسن خلف يصدر دراسة أسلوبية لسورة القمر

GMT 01:16 2021 الإثنين ,29 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 00:28 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 12:02 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 09:08 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 09:22 2019 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

طُرق إخفاء رقم المُتصل عند إجراء المكالمات

GMT 15:39 2016 الجمعة ,04 آذار/ مارس

القومي للترجمة يناقش رواية "أطفال وقطط"

GMT 23:55 2020 الأربعاء ,12 آب / أغسطس

ديكورات حمام الضيوف في المنزل السعودي

GMT 04:28 2020 الثلاثاء ,14 إبريل / نيسان

وفاة بطل الجولف الأميركي السابق ساندرز عن 86 عاما

GMT 20:33 2019 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

تعرف إلى التغييرات الجذرية في هاتف سامسونغ "غالاكسي إس 11"

GMT 17:00 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

ناسا تتلقى إشارة من "أبعد نقطة يستكشفها البشر في الفضاء"

GMT 23:29 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

فضائح شركة "فيسبوك" تتزايد خلال عام 2018
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates